النهار الاخبارية - وكالات
تزايدت الدعوات لإشراك الجيش في مهمة القضاء على الحوادث الدموية التي تعصف بالأمن في السويد، فما قصة حروب المافيا والعصابات التي خرجت عن السيطرة في الدولة الإسكندنافية؟
كانت السويد قد تعرضت لموجة من عمليات إطلاق الرصاص والتفجيرات في الأعوام القليلة الماضية، وزادت حدتها بصورة لافتة خلال الأشهر الأخيرة حتى صارت تحدث بشكل شبه يومي.
والخميس 21 سبتمبر/أيلول، تعرض شخصان للقتل وأصيب آخران عندما فتح مسلح النار في مطعم ببلدة صغيرة في شرق السويد، وقالت الشرطة إن الحادث يبدو أنه في إطار موجة من تزايد العنف بين عصابات إجرامية، فكيف تطورت الأمور إلى هذه الدرجة في الدولة الأوروبية التي كانت معروفة بالهدوء والرفاه.
عجز الشرطة في السويد
الشرطة قالت إن أحد القتيلين، وهو رجل في السبعينيات من عمره، والشخصين المصابين، ربما كانوا من الموجودين في المطعم الكائن ببلدة ساندفيكن الصغيرة التي تبعد 190 كيلومتراً عن شمال العاصمة ستوكهولم، وقال متحدث باسم الشرطة لرويترز: "نعتقد أن أحد القتيلين، وهو رجل في العشرينات من عمره، كان هو الهدف المقصود. ونعتقد أن الثلاثة الآخرين كانوا هناك بالصدفة".
وقال المتحدث إن الشرطة تبحث عن المسلح، لكنها لم تعتقل أي شخص حتى الآن فيما يتعلق بإطلاق النار، وأضاف: "ربما هناك روابط بالبيئة الإجرامية، لكن لا يمكنني تحديد مجموعة بعينها".
رئيس الوزراء، أولف كريسترسون، ندد بالحادث، وقال لوكالة تي.تي السويدية للأنباء: "هذا يسلط الضوء على العنف الشديد.. إطلاق العصابات النار على بعضها البعض أمر سيئ جداً، لكن عندما ينتهي الأمر بأشخاص أبرياء تماماً على خط إطلاق النار، يكون الأمر مروعاً للغاية".
كانت حكومة الأقلية، التي يرأسها كريسترسون وتنتمي لتيار يمين الوسط، قد فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي عقدت عام 2023 لأسباب من بينها التعهد بوقف زيادة الجرائم المرتبطة بالعصابات. لكن حقيقة الأمر هي أن أزمة العنف الدموي التي تهدد شوارع السويد قد أصبحت أكثر حدة وخطورة خلال الأشهر الأخيرة.
وأصبح معدل جرائم القتل الإجمالي في السويد يساوي نحو سُدس المعدل الأمريكي، بعد مقتل 62 شخصاً في جرائم إطلاق النار العام الماضي، بزيادةٍ عن الرقم المسجل في 2021 عند 45 شخصاً فقط. لكن هذا المعدل يُعتبر استثنائياً داخل أوروبا؛ حيث إن معدل جرائم القتل بالأسلحة لكل فرد في استوكهولم أعلى من المعدل نفسه في لندن بـ30 ضعفاً.
تقول الشرطة إن نحو 30 ألف شخص في السويد متورطون بشكل مباشر في جرائم العصابات أو لهم صلات بها. وانتشر العنف أيضاً من المناطق الحضرية الكبرى إلى البلدات الصغيرة التي نادراً ما كانت تشهد جرائم عنف في السابق.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد نشرت مؤخرا تقريراً يروي تفاصيل عن تحول السويد لساحة حرب غير مسبوقة بين العصابات المسلحة ومافيات المخدرات، التي باتت تنفذ عمليات قتل باردة واغتيالات بحق بعضها البعض، رغم أن السويد لطالما عُرفت بأنها بلد أوروبي هادئ ومسالم.
هل يتم استدعاء الجيش لمواجهة العصابات؟
حالة الفوضى والعنف التي تعيشها السويد حالياً وصلت إلى حدود غير مسبوقة، فالتفجيرات وإطلاق النار وسقوط الضحايا أصبحت أمور شبه يومية، وفي الوقت نفسه يبدو أن الشرطة السويدية أصبحت عاجزة عن السيطرة على هذه الفوضى الإجرامية.
رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب الاشتراكيين السويديين، مجدلينا أندرسون، دخلت على خط الأزمة مطالبة بسرعة نشر الجيش في المدن السويدية للتصدي لموجة العنف المتصاعدة نتيجة نشاط العصابات، وقالت أندرسون في تصريح لصحيفة أفتونبلادت السويدية، إن هذه الموجة العنيفة تستدعي اتخاذ إجراءات جادة وجديدة.
لا شك أن مدى العنف الذي رافق حرب العصابات المتنامية قد أثار صدمة العديد من السويديين؛ إذ تعرضت زوجة أحد أفراد العصابات للقتل بالرصاص في الشارع وهي تحمل رضيعها بين ذراعيها. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تعرض مطعم في أحد الأحياء العصرية بقلب ستوكهولم لانفجار قنبلة.
بينما يقول سكان ستوكهولم إنهم يشعرون بالقلق حيال احتمالية انجذاب أطفالهم إلى عالم الجريمة. وأوضحت إحدى سكان ضاحية ألبي جنوب العاصمة قائلةً: "لقد ترعرعت هنا. ولطالما كنت أشعر بالأمان. لكنني أخشى الخروج من المنزل بعد الثامنة مساءً الآن"، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
أندرسون أشارت إلى ضرورة أن تتجاوز الحكومة السويدية الحالية اتفاقية "تيدو" وتبدأ في التصرف بشكل حازم، في إشارة إلى الاتفاقية الأوروبية التي تحظر استخدام الجيوش في الأمور المتعلقة بالأمن الداخلي، الذي يقع ضمن نطاق وصلاحيات أجهزة الأمن الداخلية فقط.
لكن رئيسة الوزراء السابقة ترى أن الوضع الحالي خطير ومن غير المقبول استمراره في السويد، مضيفة أنه في الوقت الحالي يسمح القانون بتدخل قوات الدفاع السويدية لدعم الشرطة في العديد من المهام الأمنية لضبط الأمن وحفظ السلم، مقترحة أن العمل على تغيير هذا القانون بسرعة لتوسيع مهام مساعدة الجيش للشرطة، وتمكين الجيش من مساعدة الشرطة في مهام أخرى، مثل عمليات المراقبة واستخدام الخبرات الفنية لمكافحة العصابات.
كانت السلطات السويدية قد تلقت خبراً سعيداً في عام 2020 بعد أن نجح تحقيق أوروبي النطاق في اختراق شبكة هاتف مشفرة تدعى croChet كانت تستخدمها العصابات الإجرامية، وأسفر ذلك التحقيق عن مئات عمليات الاعتقال، لكن الأمر تسبب كذلك في إطلاق عنان حربٍ للسيطرة على المناطق التي خلت إثر سجن زعماء العصابات.
حرب العصابات وصعود اليمين المتطرف
أدت حرب العصابات والارتفاع الشديد في عمليات القتل والتفجيرات إلى تأجيج صعود اليمين المتطرف؛ نظراً لأن غالبية جرائم إطلاق النار في السويد تقع بين المنحدرين من أصول مهاجرة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ووعدت حكومة يمين الوسط الجديدة بتشديد سياسات الهجرة، ومضاعفة عقوبات الجرائم المرتكبة في "بيئات العصابات"، وتوسيع استخدام المراقبة الإلكترونية، وطرد المزيد من المجرمين الذين لا يحملون الجنسية السويدية. إذ قال دانيال بيرغستروم، مستشار وزير العدل السويدي: "لدينا قانون جنائي أكثر تساهلاً مقارنةً ببقية دول العالم. وقد فقدنا سيطرتنا على الموقف".
لكن الخبراء يقولون إن العنف ليس له تفسير بسيط. حيث أوضح نيكوي دياني، فرد العصابات السابق الذي تحول إلى خبير في علم الإجرام، أن السلطات فشلت في مساعدة كثير من اللاجئين على الاندماج داخل المجتمع. كما قال إن السلطات فصلت أولئك اللاجئين عن بقية المجتمع داخل مجمعات سكنية، دون توفير الكثير من فرص العمل أو العلاج لحالات مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية. وأردف دياني: "يتحمل الجناة المسؤولية بالطبع، لكنهم يظلون من ضحايا ظروف حياتهم في الوقت ذاته"، حسب تعبيره.
بينما قال ماني غيريل، الأستاذ المساعد بجامعة مالمو، إن سبب المشكلة يرجع إلى سوء الإدماج الاجتماعي. وأوضح أن المشكلة تفاقمت نتيجة سنوات من ضعف الاستجابة من جانب السلطات والشرطة والساسة.
ما يتراوح بين 75% و80% من جرائم إطلاق النار المميتة لا تزال دون حل، ولا شك أن انخفاض مخاطر الوقوع في قبضة الشرطة قد دفع بأعداد متزايدة من الشباب إلى القتل -من أجل الحصول على المكافآت التي يدفعها زعماء العصابات.
ففي مارس/آذار 2023، طلبت الشرطة السويدية من نسخة برنامج "America's Most Wanted" في البلاد نشر صور رجلين مطلوبين بتهمة إطلاق النار على عصابة مخدرات منافسة في أوبسالا، شمال ستوكهولم. وبعدها بثلاث ساعات، طرق مسلحون مجهولون باب منزل سردار ساريهان ذي الأصول الكردية، والد أحد المطلوبين، ثم أطلقوا النار عليه بينما كانت زوجته مع أطفاله في الطابق العلوي.
وتعتقد السلطات السويدية أن جريمة إطلاق النار كانت انتقامية وفتحت الباب أمام فصلٍ جديد من الوحشية في موجة عنف العصابات، التي حوّلت السويد إلى نقطةٍ ساخنة لجرائم القتل بالأسلحة. وتأتي حروب العصابات للسيطرة على تجارة المخدرات مدفوعةً بتدفق الأسلحة، ورغبة الثأر الشخصي، واستغلال الأعداد الكبيرة من الشباب المتاحين -الذين ينحدر كثير منهم من مجتمعات المهاجرين المهمشة، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال. وأسفرت تلك الحروب عن معدل جرائم قتل بالأسلحة أعلى من المتوسط الأوروبي بضعفين ونصف، وفقاً للمجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة.
وصار الجناة أصغر سناً، كما يتجهون إلى تكتيكات أكثر عنفاً؛ مثل إلقاء القنابل اليدوية وزرع القنابل، ليُصيبوا بذلك أعداداً متزايدة من المارة وحتى الأطفال.
وكان رئيس الحكومة الأسبق، ستيفان لوفين، قد قدم مقترحاً لتعديل القانون للسماح للجيش السويدي بمساعدة الشرطة في عام 2018، وقدم أيضاً نواب من حزب المحافظين مقترحاً مماثلاً في البرلمان قبل عام واحد. ولكن تم رفضه، فهل تتغير الأمور هذه المرة بعد ارتفاع معدل العنف؟