السبت 23 تشرين الثاني 2024

جيوبوليتكال: تحليق بي 52 لا يرهب إيران والواقع الجيوسياسي أقوى من الجميع

جيوبوليتكال: تحليق بي 52 لا يرهب إيران والواقع الجيوسياسي أقوى من الجميع
خلال الأسبوع الماضي، حلقت قاذفتان من طراز "بي52" فوق الشرق الأوسط، وهي المرة الرابعة منذ أن أصبح "جو بايدن" رئيسًا للولايات المتحدة.
وقالت واشنطن إن عمليات التحليق كانت بسبب عدم الاستقرار في المنطقة، لكن المعنى الضمني كان واضحًا للغاية بشأن إيران.
كان الشيء الأكثر غرابة في هذه الرحلات هو إعلان القيادة المركزية الأمريكية أن طائرات "بي52" كانت مصحوبة بطائرات مساندة من إسرائيل والسعودية وقطر.
وقد تكاثر الحديث عن التحالف السياسي الناشئ في المنطقة، لكن هذا التجمع يعتبر مثيرا للغاية حيث تعد إسرائيل حليفا للولايات المتحدة بينما تتعرض السعودية للهجوم من قبل إدارة "بايدن" بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وهي تتعاون مع إسرائيل منذ سنوات لكنها لم تعترف بإسرائيل حتى الآن.
وتقع قطر في ضفة الخليج المقابلة لإيران، ولديها علاقات مع طهران ربما أقرب من أي دولة في الخليج العربي، وهي وسيط رئيسي بين إيران والولايات المتحدة.
وإذا كان الغرض من هذه الرحلات هو تحذير إيران من تداعيات المواجهة مع الولايات المتحدة، فإن تأثيرها يتآكل. فمثل هذه التحذيرات تضعف عند صدورها للمرة الرابعة، ومن الصعب جعل الروتين يبدو وكأنه تهديد. وقد أصبح الإيرانيون إلى حد ما أكثر عداء. لقد شنوا هجمات من خلال وكلائهم على القواعد الأمريكية في العراق. كما أضروا بسفينة تجارية إسرائيلية قبالة الساحل اللبناني مع استمرارهم في تقديم دعم كبير للمتمردين الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية.
بمعنى آخر، لا يوجد دليل على أن الإيرانيين يخططون لتغيير سياستهم الإقليمية. وبالنظر إلى تعهد إدارة "بايدن" بإحياء الاتفاق النووي، فقد رفضت طهران عرضا أوروبيا بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة وطالبت بتنازلات قبل التفكير في مثل هذا اللقاء.
تعمل إيران الآن على رفض الإغراءات أو التهديدات، وتحافظ على وتيرة عملياتها في مناطق الصراع، بل وتعمل على زيادتها.
من وجهة نظر تفاوضية، يبدو أن إيران لا تريد إحياء الاتفاق لأنها ستجدد عمليات التفتيش وربما تكشف عن الحالة المتقدمة لبرنامج إيران النووي. أو لا تريد أن تبدو متحمسة للغاية لاستئناف هذه المحادثات وهو الأمر الراجح.
ونظرًا لأن "بايدن" جعل استعادة الاتفاقية هدفًا مهمًا لرئاسته، فقد يشعر الإيرانيون أن "بايدن"مضطر للتوصل إلى اتفاق.
ولكن سياسة إيران من شأنها أن تؤكد وجهة نظر "ترامب" تجاه إيران وتدحض وجهة نظر "بايدن".
وبالنظر إلى الواقع السياسي والعسكري الذي تحاول إيران خلقه مع عدم المبالاة بطلعات "بي52" التي يُنظر إليها على أنها مجرد استعراض، يجب على إدارة "بايدن" تغيير نهجها من خلال تعزيز موقفها التفاوضي دون اتخاذ قرار حاسم بالعمل العسكري.
لم تكن طلعات "بي52" مهمةحتى مع مشاركة الإسرائيليين والسعوديين والذين أضافوا بعض التهديد، لكن ليس كثيرًا.
ويبدو أن إسرائيل حريصة على ضرب إيران لكنها ترى نفسها مقيدة من قبل الولايات المتحدة.
لكن لا يزال حرص إسرائيل على الضربة محل شك لأن العمليات العسكرية يمكن أن تفشل، ومن شأن ذلك أن يقوض مصداقية التهديد الإسرائيلي.
ولكن يبدو أن مصاحبة القاذفات الأمريكية تزيد من احتمالية إطلاق العنان لإسرائيل.
لكن أهم عنصر في المهمة كان قطر والتي تعتبر أكثر صداقة مع إيران، وهي المحاور في المفاوضات الأمريكية الإيرانية.
إن استعداد قطر للانضمام إلى الرحلة يشير إلى استياء قطر من عدم المرونة الإيرانية، واحتمال انهيار المحادثات.
وإذا تحركت الجغرافيا السياسية بناءً على الإشارات، فربما يغير كل ذلك موقف إيران ويبشر بإحياء الاتفاق النووي.
لكن الجغرافيا السياسية أكثر بساطة وتعقيدًا!
تكمن أهداف إيران الأساسية في استعادة اقتصادها ومنع هجوم من الغرب. ولكن يجب أن تتأكد من أن العراق لا يزال غير قادر على تشكيل تهديد، وبالتالي يجب أن تفعل ما في وسعها للحفاظ على عدم الاستقرار هناك، أو على الأقل حرمان الولايات المتحدة من قاعدة آمنة للعمل من خلالها.
لذلك لا يمكن لإيران ترك العراق وشأنه، ولا يمكنها التخلي عن حلفائها في اليمن وأماكن أخرى.
إن إظهار القوة الإقليمية الحقيقية هو أساس أمنها. ولا تستطيع القيادة الإيرانية أن تبدو ضعيفة أمام شعبها، ومع ذلك فهي لا تستطيع تحمل استمرار معاناة العقوبات الغربية.
من وجهة النظر الجيوسياسية للولايات المتحدة، تعتبر إيران لاعبًا ثانويًا، غير قادر على التأثير على مصالحها مثل الصين.
ومن وجهة نظر سياسية، تم رفع هذه القضية الجيوسياسية الصغيرة إلى قضية رئيسية من خلال هجوم "بايدن" على سياسة "ترامب".
وتعرف إيران أهميتها النسبية بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا يمنحها إحساسًا بالأمن.
ومن الناحية السياسية بالنسبة لإيران، فهي تعلم أن "بايدن"، بعد أن هاجم "ترامب" لسياسته العدوانية المفرطة تجاه إيران، لا يمكنه متابعة حملة "بي52"، وحشد الآخرين في الشرق الأوسط - بما في ذلك منتهكي حقوق الإنسان مثل السعودية.
ويعني ذلك أن إيران في وضع جيد، باستثناء العقوبات التي يتعين عليها رفعها، وهي الرافعة الأمريكية الرئيسية.
وكان موقف "ترامب" هو فرض عقوبات وترك إيران تتحمل التبعات.
و ما لم تجبر الرحلات الجوية إيران على أن تصبح مرنة بسرعة - وهو ما أعتقد أنها لن تفعله - فستكون خيارات "بايدن" هي نفسها خيارات "ترامب" (زيادة العقوبات).
وبالنسبة لواشنطن، فإن العقوبات منخفضة المخاطر ولكن بالنسبة لطهران فهي تعتبر مسألة وجودية.
وهكذا فإن تحركات "بي 52" الغريبة تترك لي إحساسًا بقوة الواقع الجيوسياسي، وصعوبة التحرك ضده.
ويواجه العديد من القادة السياسيين هذه اللحظة. إن تحطيم الدول دون شن حرب أمر صعب، والمواجهة مع إيران لا تستحق الحرب سواء بالنسبة لـ"ترامب" أو "بايدن".
المصدر | جورج فريدمان/ جيبوليتكال فيوتشرز –