صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية واسعة على تعليق المحادثات الخاصة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والذي جاء بناء على موافقة البرلمان على تقرير حول تركيا يدين "اعتداءات الحكومة على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وأنشطتها العسكرية" في الدول الأخرى.
وتمت الموافقة، خلال جلسة الأربعاء 19 مايو (أيار)، على الفقرة 6 من استنتاجات التقرير، التي توصي بتعليق المحادثات الهادفة إلى انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بأغلبية 520 صوتاً مقابل 72 صوتاً، وامتناع 64 عضواً عن التصويت. في حين وصفت الخارجية التركية التقرير بأنه "ليس موضوعياً".
ووفقاً للتقرير "شديد اللهجة" المكون من 26 صفحة، أدان البرلمان الأوروبي التدخلات العسكرية التركية في سوريا، والتي "تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وتهدد بتقويض الاستقرار والأمن في المنطقة ككل"، داعياً الحكومة التركية إلى إنهاء تدخلها في شمال سوريا وعفرين وسحب قواتها العسكرية وشبه العسكرية بالوكالة.
وكرر البرلمان الأوروبي التأكيد على أن المخاوف الأمنية لا يمكن أن تبرر العمل العسكري من جانب واحد في بلد أجنبي. ووفقاً للمذكرة فإنه لا يمكن أن يكون هناك أي حل عسكري مستدام لقضية إدلب، ولكنه حل سياسي فقط. وأعرب البرلمان عن "قلقه البالغ وإدانته لنقل المقاتلين من الجماعات الإرهابية الموجودة في شمال سوريا إلى ليبيا وإلى الصراع في إقليم ناغورنو قره باغ"، بحسب التقرير.
الذئاب الرمادية
إضافة إلى ذلك أعرب البرلمان الأوروبي عن قلق بالغ بشأن حركة "الذئاب الرمادية"، "التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحزب الحركة القومية"، مشيراً إلى أنها تنتشر في تركيا وداخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ودعا الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى "إدراج الذئاب الرمادية ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي للتنظيمات الإرهابية، وحظر أنشطة فروعها في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومراقبة أنشطتهم عن كثب ومواجهة نفوذهم"، واتخاذ التدابير المضادة لأفعالهم المحتملة التي "تشكل تهديداً رئيساً للمواطنين من أصل أرميني أو كردي أو يوناني، وأي شخص يعتبرونه معارضاً".
وترتبط جماعة "الذئاب الرمادية" بشكل وثيق مع حزب الحركة القومية التركي الذي يتزعمه دولت بهجلي، المتحالف مع حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت فرنسا حل الجماعة، بعد إعلان حظرها بيومين. وجاءت الخطوة بعد أعمال تخريب قام بها عناصر من الجماعة في باريس، لكن تركيا اعتبرت القرار الفرنسي "استفزازاً" ويتناقض مع حرية التعبير.
وفي ألمانيا تدعو أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الليبرالي المعارض إلى حظر الجماعة التي تقدر الاستخبارات الألمانية عدد أتباعها بـ11 ألف شخص داخل البلاد.
الملف الليبي
وأفردت الوثيقة الأوروبية بنداً للتدخل التركي في ليبيا، حيث أدانت بشدة التوقيع على مذكرتي التفاهم بين تركيا والحكومة الليبية السابقة برئاسة فايز السراج، الخاصة بالتعاون الأمني والعسكري الشامل وبشأن تعيين حدود المناطق البحرية بين البلدين، مشيرة إلى أن الاتفاقات تشكل انتهاكات واضحة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي.
ودعا البرلمان الأوروبي تركيا إلى ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار والانسحاب الفوري وغير المشروط لجميع "القوات الأجنبية والمرتزقة" من كامل الأراضي الليبية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وأن تظل ملتزمة بالحل السلمي للنزاع في ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة، والالتزام الكامل بحظر توريد الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي.
وفيما أثنى التقرير على عمل القوة البحرية للاتحاد الأوروبي- عملية البحر المتوسط "إيريني" وجهودها لدعم حظر الأسلحة المفروض ومنع الاتجار بالبشر والمخدرات؛ فإن الدول الأعضاء أعربت عن أسفها لأن تركيا رفضت في حالتين على الأقل السماح للقائمين على العملية بتفتيش السفن المتجهة من تركيا إلى ليبيا. ودعوا أنقرة إلى التعاون الكامل مع عملية "إيريني"، التي تعمل وفقاً لقراري مجلس الأمن الدولي رقم 2292 و2526، الملزمين لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك تركيا.
ويدعو المجلس الأوروبي إلى بدء التعاون بين "إيريني" وعملية الحارس البحري للناتو، من أجل ضمان تزويد القائمين على العملية بالأصول والأفراد الضروريين لأداء مهمتها الأساسية بشكل فعال والمتمثلة في مراقبة أنشطة الحركة البرية والبحرية والجوية والمساهمة في التنفيذ الكامل لحظر توريد الأسلحة من جميع البلدان.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019، وقع أردوغان اتفاقاً مع السراج ينص على تقاسم "منطقة اقتصادية حصرية" تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا. ويقول معارضو الاتفاق إنه غير قانوني ويمكن أن يعطل التجارة وتدفقات الطاقة. كما اعتبرته اليونان، عضو الناتو والاتحاد الأوروبي، انتهاكاً لسيادة أراضيها إذ يشمل المياه الممتدة لجزيرة كريت.
وفي يناير (كانون الثاني) 2020، رفض البرلمان الليبي التصديق على اتفاق السراج - أردوغان، وأقر إحالة الموقعين على الاتفاقات البحرية والأمنية مع تركيا إلى القضاء بتهمة "الخيانة العظمى". وبموجب "اتفاق الصخيرات" الموقع في ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة، فإنه يخول لرئيس الحكومة الليبية عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية شريطة أن تتم المصادقة عليها من قبل مجلس النواب المنتخب.
ولا تنفي تركيا التقارير الدولية الخاصة بإرسالها مقاتلين إلى ليبيا، بما في ذلك تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، في يوليو (تموز) 2020، يقول إن الحكومة التركية أرسلت ما لا يقل عن 5000 مقاتل سوري عملوا بشكل وثيق مع أنقرة في الحرب الأهلية السورية، إذ أُرسلوا لمساعدة العناصر المتحالفة مع طرابلس في قتال قوات القائد العسكري المتمركز في الشرق خليفة حفتر.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن المقاتلين الأجانب يجب أن يغادروا ليبيا، لكن أنقرة لديها اتفاق ثنائي مع الحكومة الليبية بشأن تمركز قواتها هناك. وأضاف "أعتقد أنه ينبغي عدم الخلط بين المرتزقة الأجانب والوجود الشرعي" لكنه لم يوضح ما إذا كان سيجري سحب المقاتلين السوريين.
الأرمن وقره باغ
وفيما يتعلق بقضية إقليم ناغورنو قره باغ، الواقع بين أذربيجان وأرمينيا، قال البرلمان الأوروبي إنه يدين "حقيقة أنه بدلاً من الدعوة إلى إنهاء العنف واستئناف المفاوضات السلمية لدعم جهود الرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، قررت تركيا مواصلة ودعم الأعمال العسكرية لأذربيجان في الصراع الأخير في الإقليم من خلال اللجوء إلى الخطاب الاستفزازي، وبالتالي تأجيج التوترات بدلاً من الحد منها".
كما أدان البرلمان نقل المقاتلين الأجانب من سوريا وأماكن أخرى إلى ناغورنو قره باغ، "الأمر الذي أكدته الدول المشاركة في رئاسة مجموعة مينسك" داعياً أنقرة إلى "الامتناع عن أي نشاط وخطاب يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات في منطقة جنوب القوقاز ودعمها الحوار الدولي وعملية السلام تحت رعاية المجموعة".
وفي حين تؤكد التقارير الدولية إرسال تركيا مرتزقة سوريين إلى قره باغ لدعم أذربيجان، نفى الرئيس التركي، بشكل قاطع، هذه الاتهامات.
وأكد التقرير الأوروبي من جديد دعوته الواردة في قراره الصادر في 15 أبريل (نيسان) 2015، وشجع تركيا مجدداً على الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، مما يمهد الطريق لمصالحة حقيقية بين الشعبين، داعياً أنقرة، في هذا الصدد، إلى الامتناع عن "أي دعاية وخطاب يحض على الكراهية ضد الأرمن"، والاحترام الكامل لالتزاماتها بحماية التراث الأرمني والتراث الثقافي للآخر.
وبين عامي 1915 و1923، لقي مئات الآلاف من الأرمن مصرعهم أثناء تهجيرهم قسراً من قبل الدولة العثمانية، ويقدر بعض المؤرخين عدد الضحايا بين مليون ومليون نصف. وفي حين تعترف تركيا بالوفيات، تشكك في ما إذا كانت مُتعمدة، وتقول إن الأعداد كانت أقل بكثير من مليون. ووفقاً للرواية التركية فإن كثيرين من الأرمن قتلوا في اشتباكات مع العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. وتعتبر أنقرة أن التدخل الخارجي في هذه القضية تهديد لسيادتها.
شرق المتوسط
وندد البرلمان الأوروبي بشكل شديد اللهجة بالتجاوزات التركية في شرق المتوسط و"احتلال" مدينة فاجموستا القبرصية. وقالت الدول الأعضاء "نشعر بقلق عميق إزاء السلوك غير القانوني لتركيا غير المسبوق في شرق البحر المتوسط الذي تمارسه دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضد الدول الأعضاء في الاتحاد، وما ينطوي على ذلك من مخاطر على الأمن والاستقرار. ندين بشدة أنشطة تركيا غير القانونية في المياه اليونانية والقبرصية، فضلاً عن انتهاكاتها للمجال الجوي الوطني اليوناني، بما في ذلك التحليق فوق المناطق المأهولة ومياهها الإقليمية"، معرباً عن تضامنه الكامل مع اليونان وقبرص.
ورحب البرلمان بالجولة الجديدة من المحادثات الاستكشافية بين اليونان وتركيا، بعد توقف دام خمس سنوات، والتي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى ترسيم حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بما يتماشى مع القانون الدولي. وكرر دعوته للحكومة التركية للتوقيع والتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي هي جزء من تشريعات الاتحاد الأوروبي. كما رحب وأعرب عن دعمه الكامل لاقتراح المجلس الأوروبي لعقد مؤتمر متعدد الأطراف بشأن شرق البحر المتوسط من أجل توفير منصة لتسوية النزاعات من خلال الحوار.
في حين تقول أنقرة، إن لها الحق في الاستكشاف في المياه القبرصية اليونانية والوصول إلى احتياطات الغاز الطبيعي بالقرب من قبرص، التي تحتل تركيا شطرها الشمالي وتطلق عليه اسم جمهورية شمال قبرص التركية. وللدفاع عن موقفها، نشرت تركيا مراراً سفن التنقيب والحفر في المياه القبرصية اليونانية وأرسلت السفن البحرية. غير أنه بعد أشهر من التحذيرات الأوروبية والأميركية لأنقرة وفرض عقوبات أوروبية، تراجعت تركيا وأعلن أردوغان وقف التنقيب عن النفط قبالة سواحل اليونان مؤقتاً حتى يتم التفاوض على تلك القضية.
ولا تعترف تركيا باتفاقية الأمم المتحدة لقانون أعالي البحار لعام 1982 (UNCLOS)، والتي تحدد المناطق الاقتصادية الخالصة للدول على أنها تمتد 200 ميل من شواطئها. ومن ثم تجادل بأن قبرص يحق لها فقط الحصول على 12 كم من المنطقة الاقتصادية الخالصة.
تآكل سيادة القانون
على الصعيد الداخلي، قال التقرير الأوروبي، إنه "يعتبر أن تآكل سيادة القانون والافتقار المنهجي لاستقلال القضاء ما زالا من أكثر القضايا إلحاحاً وإثارة للقلق"، وأدان "المراقبة المتزايدة من جانب السلطة التنفيذية والضغوط السياسية التي تؤثر على عمل القضاة والمدعين العامين والمحامين ونقابات المحامين"، كما أدان "الفصل والإبعاد القسري لما يقرب من 30 في المئة من القضاة والمدعين العامين الأتراك".
وأورد التقرير العديد من حالات الاحتجاز التعسفي لمعارضين ووفاة بعضهم داخل الحبس. وقال "يساورنا قلق بالغ إزاء تجاهل القضاء التركي والحكومة التركية لأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتزايد عدم امتثال المحاكم الأدنى لأحكام المحكمة الدستورية". كما أعرب البرلمان الأوروبي عن أسفه لحالات الفصل واسعة النطاق التي طالت العديد من الأفراد المعارضين، من بينهم أكثر من 152 ألف موظف مدني، بما في ذلك المعلمين والأطباء والأكاديميين والمحامين والقضاة والمدعين العامين، الذين فُصلوا وحظروا بشكل دائم من العمل في القطاع العام أو حتى في مهنتهم بشكل عام.
لكن السلطات التركية تقول إن هؤلاء ينتمون إلى جماعة "خدمة" التي يرأسها المعارض فتح الله غولن، الحليف السابق لأردوغان. وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي في يوليو 2016، صنفت الحكومة التركية حركة غولن بأنها "إرهابية" وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد مؤيديها.
وانتقد التقرير الأوروبي الاحتجاز التعسفي والمضايقات والتحقيقات الجنائية للصحافيين الذين أعربوا عن مخاوف بشأن إدارة الحكومة التركية لجائحة كورونا (كوفيد-19)، كما انتقد هجوم السلطات التركية على الجمعية الطبية التركية، بهدف إسكات أي انتقادات بشأن التعامل مع الجائحة، وقال إنه يدين استخدام الحكومة لنظام العدالة في هذا الصدد.
تركيا تندد بالتقرير
من جانبها أصدرت الخارجية التركية بياناً أعربت فيه عن رفضها للتقرير الأوروبي قائلة إن "هذا التقرير أحادي وغير موضوعي بأي حال من الأحوال، والذي تم تبنيه في فترة تُبذل فيها جهود لإحياء العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أساس منظور عضوية الاتحاد الأوروبي في إطار أجندة إيجابية، غير مقبول".
وقالت "نحن نرفض هذا النص المتحيز الذي لا يتضمن فقط مزاعم كاذبة تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون ونظامنا الحكومي والأحزاب السياسية؛ وينظر إلى سياسة تركيا الخارجية الفعالة والموجهة نحو الحلول والإنسانية والمغامرة باعتبارها تهديداً؛ ولكنه يعكس أيضاً الحجج غير العادلة والمتحيزة تماماً للقبارصة واليونانيين فيما يتعلق بقضية بحر إيجه وشرق البحر المتوسط وقبرص ويدعم الروايات الأرمينية أحادية الجانب وغير المتسقة فيما يتعلق بأحداث عام 1915".