الخميس 28 تشرين الثاني 2024

بعد قصف تايوان الوهمي.. ما سر قلق أمريكا من J-16 الصينية وهل تفوقت على المقاتلة الروسية التي تقلدها؟


النهار الاخباريه وكالات 

عندما شنت الصين أكبر هجوم جوي وهمي في تاريخها على تايوان، مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، لم يكن ما أقلق المسؤلون في البلاد وفي الغرب وفي الهند القاذفات H-6، القادرة على حمل أسلحة نووية فقط، ولكن أيضاً الطائرة الصينية J-16، التي كان ينظر لها باعتبارها مجرد استنساخ لطائرة روسية شهيرة، ولكنها الآن باتت تثير القلق في نفوس خصوم بكين.

ورغم أن الصين تمتلك طائرة شبحية من طراز J-20، ولديها العديد من المقاتلات، ولكن الطائرة J-16 تحديداً تثير الاهتمام في الغرب، بل إنها لاقت تعليقات إيجابية من قبل مراكز أبحاث عريقة في الغرب تعتبرها أفضل من نسختها الروسية، فإلى أي مدى تمثل هذه الطائرة خطورة على خصوم الصين، وهل تتفوق فعلاً على الأصل الروسي.

قصة تطوير الطائرة الصينية J-16 
كان تصنيع الاتحاد السوفييتي للطائرة الشهيرة سوخوي 27 الشهيرة باسم الفلانكر في الثمانينات نقطة فارقة بالنسبة لصناعة الطائرات الروسية، التي عانت من أزمة مالية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي منعتها من بناء منصات جديدة، ولتكتفي بتطوير نسخ متعددة من السوخوي 27 ستوسع "عائلة فلانكر"، التي ستثبت قدرة مدهشة في القابلية للتطور مهما تقادم عمرها.

ومنذ تسلمها أول طائرات Su-27 في عام 1992، طورت الصين مشتقات متعددة لهذه الطائرة محلياً.

ففي البداية جمّعت بكين محلياً طائرة مرخصة من الطائرة الروسية الشهيرة سوخوي 27، ثم صنعت نسخة بدون ترخيص من موسكو هي الطائرة J-11، ثم طورت منها الطائرة J-16، مع الاستفادة من التكنولوجيا التي أضافتها موسكو في السوخوي 30 وهي نسخة أكثر تطوراً بكثير من السوخوي 27.

ففي أواخر التسعينيات، باعت روسيا مقاتلات Su-30 متعددة الأدوار للصين رغم شكوكها في أنها ستتعرض للاستنساخ، وهذا ما يعتقد أنه حدث بالفعل مع J-16، ولكن بكين لم تكتفِ بالاستنساخ، بل أجرت عمليات تطوير للطائرة بدأت باستخدام المزيد من مركبات الكربون في بنائها، لتقليل وزنها، وتزويدها بـ"قمرة قيادة زجاجية"، لتحل محل الموجودة في الطائرات الروسية القديمة.

ويُعتقد أن J-16 قد حلقت لأول مرة في 2011، ولكن ظل الغرب والهند وجيران الصين الآسيويون يراقبون هذه التجربة بخليط من الاهتمام والاستخفاف في الوقت ذاته، معتقدين أن النسخ الصينية ستصبح ردئية مثل السلع الصينية المقلدة كالأحذية ولعب الأطفال التي غزت أسواق العالم في بداية نهضة الصين.

هجوم تايوان الوهمي يغير المفاهيم 
في مطلع الشهر الماضي، اشتكت تايوان مما وصفته بأنه أكبر هجوم جوي وهمي تتعرض له من قبل الصين في تاريخها، حيث قالت إن ما مجموعه 39 طائرة عسكرية صينية حلقت في منطقة الدفاع الجوي- وهو أكبر توغل تشنه بكين حتى الآن.

وقالت وزارة الدفاع بتايوان، إن الطائرات الصينية تضم أربع قاذفات من طراز H-6، يمكنها حمل أسلحة نووية، بالإضافة إلى طائرة مضادة للغواصات، وعدد كبير من طائرات J-16 وj-11 الصينيتين، إضافة إلى مقاتلات سوخوي 30 الروسية الصنع، حسبما ورد في تقرير.

كانت مشاركة الطائرة J-16 تحديداً خبراً لاقى اهتماماً في العديد من العواصم، منها واشنطن وتايبيه، ولكن بالأخص نيودلهي، التي كانت تتحدث دوماً عن تفوق طائراتها الروسية الصنع من طراز سوخوي 30 على النسخ الصينية من هذه الطائرة الروسية الشهيرة، وكذلك على الطائرة الصينية المستنسخة منها.

هل ما زالت السوخوي الهندية متفوقة على نظيراتها الصينية؟
تمتلك بكين نحو 78 طائرة سوخوي 27، مشتراة من موسكو مباشرة، و(346 طائرة من طراز J-11)، وهي تقليد مباشر وبدون ترخيص للسوخوي   27.

كما تمتلك الصين نحو 97 من طائرات سوخوي 30 الروسية الشهيرة، التي تعتبر تطويراً كبيراً للسوخوي 27، كما لدى الصينيين نحو 128 طائرة من الطائرة J-16 المطورة من جي 11 والمتأثرة بالسوخوي 30، ويمكن اعتبارها أيضاً منافساً أقل مستوى للسوخوي 35، كما لديها 24 طائرة سوخوي 35 اشترتها من روسيا، أي أن بكين لديها نحو 684 من المقاتلات من عائلة الفلانكر التي بدأت بالطائرة الروسية الشهيرة سوخوي 27.

في المقابل تمتلك الهند نحو 270 طائرة من طراز سوخوي 30، وتستعد لاستقبال 12 طائرة أخرى، وهي كانت تتباهى بأن نسختها من الفلانكر أفضل من أي نسخة لدى الصين، أو حتى النسخ الروسية من سوخوي 30، نظراً لتميزها بدءاً من عملية المنشأ الروسي، ومع تزويدها بمعدات فرنسية وإسرائيلية، إضافة إلى أن نيودلهي اقتنت مؤخراً نحو 30 طائرة رافال الفرنسية، المزودة برادار متطور من فئة إيسا، يفترض أنه ليس له نظير روسي أو صيني.

ولكن يبدو هذا تقييماً عفى عليه الزمن، وليس فقط لاستقبال الصين لنحو 24 طائرة سوخوي 35 من روسيا، التي تعتبر النسخة الأكثر تطوراً من عائلة الفلانكر، ولكن لأن تطور الطائرة الصينية J-16 التي كان ينظر لها في البداية أنها مجرد استنساخ من الأصل الروسي أصبحت تثير الاهتمام، بل والقلق لدى خصوم الصين.

هل تتفوق J-16 على الأصل الروسي؟
أدعى مدرب طيران في القوات الجوية الصينية مؤخراً، أن المقاتلة متعددة الأدوار J-16 تعد جيلاً أكثر تقدماً من المقاتلة الروسية الأصلية Su-30 التي اشتُقت منها.

ومضى في الادعاء بأن الطائرة المقاتلة تتفوق حتى على Su-30، وذلك في مقابلة مع قناة إخبارية صينية.

وبالفعل، تشير التقارير إلى أن المقاتلة متعددة المهام Shenyang J-16، التي أدخلت الخدمة في عام 2014، تكتسب زخماً مع القوات الجوية الصينية، وقد عززت البلاد إنتاجها الآن، مع تبين نجاحاتها.

في حين أن الخبراء العسكريين الهنود قللوا دائماً من قدرات مشتقات فلانكر الصينية ونسخها، مثل المقاتلة J-11، باعتبارها أقل شأناً من مقاتلات Su-30MKI الخاصة بنيودلهي، فإن وصول مقاتلات J-16 قد غير تلك اللعبة، حسبما ورد في تقرير Eurasian Times.

فالطائرة مسلحة برادار AESA الحديث متعدد الأوضاع، وهي ميزة تفتقدها كل نسخ سوخوي الروسية حتى الآن، بما فيها النسخ الهندية الأكثر تقدماً.

كما أن إدخال روابط بيانات جديدة وأنظمة الحرب الإلكترونية المحسّنة والاستخدام المتزايد لمركبات الكربونالطائرة الصينية J-16 يمنحها قدرة قتالية فائقة، مقارنة حتى بأحدث أفراد عائلات الفلانكر الروسية، Su-35S.

زعم طيار صيني آخر، حسب صحيفة جلوبال تايمز الصينية، أن "J-16 قد تم تحسينها أيضاً من أجل قدرة تخفٍّ أفضل"، مضيفاً أن J-16 مغطاة الآن بـ"لوحة رمادية فضية تجعلها أقل وضوحاً للعين المجردة والأجهزة الكهرومغناطيسية".

وقال فو تشيانشاو، خبير الطيران العسكري الصيني، لصحيفة غلوبال تايمز الصينية: "يشدد التصميم الديناميكي الهوائي لطائرة J-16 على القدرة على المناورة، بدلاً من التخفي، لكن الطلاء الجديد لها يمكن أن يجعل اكتشافها أكثر صعوبة".

ويقال إن الطيارين الصينيين الذي يقودون J-16 قد تفوقوا على نظرائهم الروس في مناورات مشتركة بين البلدين.

ولدى J-16 تقنيات محسّنة مقارنةً بـSu-30MKI التي تمتلكها الهند منها نظام تحذير الصواريخ (MAWS) ومستقبل تحذير الرادار (RWR).

الطائرة الصينية J-16
الطائرة سوخوي 30 الروسية/ويكيبيديا
يعتبر البعض J-16 حالياً النسخة الأكثر قدرة من بين كل مشتقات الفلانكر بفضل قدرتها العالية على التحمل، وقدراتها المحدودة في التخفي، وإلكترونيات الطيران المتقدمة وأنظمة الحرب الإلكترونية، ورادار أيسا "اAESA"، والوصول إلى صواريخ جو-جو الموجهة بالرادار.

 حتى إن معهد رويال يونايتد للخدمات البحثية في المملكة المتحدة وصف طائرات J-16 بأنها "أكثر الطائرات الهجومية متعددة المهام والأكثر قدرة في الصين"، ملمحا إلى تفوقها على الروسية سوخوي 30 الموجودة لدى بكين.

كما يعمل الصينيون على تطوير تكنولوجيات مركبات الكربون التي تساعد الطائرات على تقليل الوزن وحمل المزيد من الأسلحة وأجهزة الاستشعار. أيضاً
يمكن القول ببساطة إن الصينيين يعملون على معالجة عيوب الأصل الروسي مع الاحتفاظ بمميزاته، فالطائرات من عائلة الفلانكر سوخوي 27 و30 و35 مشهورة بقدرات مناورة استثنائية، تجعل روسيا تدعي أنها بعض نسخها قادرة على التصدي للطائرات الأمريكية الشبحية في القتال الجوي القريب، مع مدى طويل ومخزون كبير للأسلحة، ومساحة لرادار كبير.

في المقابل، تعاني سوخوي الروسية من ثقل الوزن، والحجم الضخم الذي يتضافر مع غياب المواد الشبحية في بنائها، ليجعلها طائرة شديدة الوضوح أمام شاشات الرادارات.

كما أن النسخ الروسية من الفلانكر تعتمد على الرادارات من طراز "بيسا" الأقل في الدقة، وأسهل في الاكتشاف من قبل الخصوم، مقارنة برادارات "إيسا" التي تنتشر في المقاتلات الغربية، ولكن تقدم الصين في مجال تكنولوجيا المعلومات جعلهم يقدمون رادار "إيسا" في الـJ-16، قبل أن يفعل الروس في سوخوي 30 أو سوخوي 35.

المشكلة الرئيسية في الطائرة الصينية J-16 أنها يتم تشغليها بمحرك من نوع توربوفان WS-10 Taihang الصيني الصنع،الذي قد لا يكون موثوقاً مثل محركات AL-31F الروسية، لكنه يولد نفس القدر من الدفع، علماً أن الصينيين يستثمرون بشكل كثيف في تطوير محركات الطائرات لتلافي هذا القصور.

وبعض أوجه القصور الأخرى في الطائرة قد تتغير، إذا قررت الصين عكس هندسة مقاتلات Su-35 التي استوردتها من روسيا.

كما أن الصينيين يعتقد أنهم يقطعون أشواطاً أكبر من الروس في مجالات الصواريخ الجو- الجو، لاسيما بعيدة المدى، بل حتى أطول من الأمريكيين.

يعني ذلك أنه حتى لو تفوقت النسخ الروسية من الفلانكر على الـJ-16 في المناورة، فإن الصينيين قد يصنعون فرقاً في نواحي الرادارات والتسليح ومواد البناء التي قد تجعل J-16 أكثر شبحية وأقل وزناً من نظيراتها الروسية.

الخطر لا يقتصر على الهند.. لماذا يجب على أمريكا أن تقلق؟
ولكن هذا لا يعني فقط احتمال تفوق الـJ-16 الصينية على سوخوي 30 الروسية بما فيها النسخ المملوكة للهند، ولكن الأمر قد يمثل خطورة بالنسبة لتايوان وخطط أمريكا الأمنية في المحيط الهادي.

لدى الولايات المتحدة طائرة تتفوق تفوقاً ساحقاً على كل منافسيها وهي الطائرة إف 22 الشبحية، ولكن هذه الطائرة تمتلك منها واشنطن أعداداً قليلة تبلغ نحو 180 طائرة، ولقد أوقفت إنتاجها، إضافة إلى منع تصديرها للحلفاء حتى المقربين مثل إسرائيل واليابان جار الصين اللدود، كما أن الطائرة الشبحية إف 35 مازالت قيد التطوير، وتواجه مشاكل تشغيلية وقلقاً حول تكاليف الصيانة والتشغيل، إضافة إلى بعض الشكوك حول قدراتها في المناورة والقتال الجوي القريب وقلق حقيقي حول حمولتها من الأسلحة ومداها.

كل ما سبق دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار لافت بإعادة إنتاج نسخة جديدة مطورة من الطائرة الأمريكية الشهيرة F-15، وهي تعتبر النظير الفعلي لطائرات فلانكر الروسية الأصل بما فيها الـJ-16 الصينية.

الصراع بين الأمريكية الشهيرة F-15، والصاعدة الصينية J-16
تقليدياً ينظر للإف 15 على أنها أسرع من السوخوي الروسية ومشتقاتها الصينية، بينما تتفوق السوخوي في المناورة القريبة.

ولكن نقطة الحسم هي تفوق الإف 15 في الرادارات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، امتداداً للتفوق الغربي في مجال الإلكترونيات على الروس.

ولكن اليوم مع التقدم الصيني في التكنولوجيا الرقمية، بات واضحاً أنهم يعالجون أكبر نقطة قصور في عائلة الفلانكر، وهو أمر يظهر بشكل واضح في التكنولوجيا المضافة لـ J-16، إضافة إلى الاستثمار الصيني في مجال الصواريخ جو-جو، وكذلك التطوير في مجالات تكنولوجيا المواد، الذي سيخفف وزن الطائرة ويقلل مدى رصدها، ويعطيها بعض قدرات التخفي ولو محدودة.


كل ذلك يعطي ميزات نسبية للـJ-16 في مواجهة الإف 15 الأمريكية، بما فيها النسخ الجديدة التي لم يذكر البنتاغون أنها ستكون شبحية، كما أنها قد تمثل مشكلة للنسخ القديمة من طائرات إف 15 التي تمتلكها اليابان.

كما يعتقد أن الطائرة الصينية J-16 تتفوق بشكل كبير على أغلب الطائرات الأمريكية من الجيل الرابع الأخرى، مثل الإف 16 وطائرة البحرية إف 18، التي ستكون في الأغلب المنافس الأكثر احتمالاً لـJ-16 في سماوات غرب المحيط الهادي.

يعني ذلك أن J-16 سوف توفر للصين منصة غير باهظة وقابلة للتطوير، تستطيع أن تقارع أفضل الطائرات الأمريكية من الجيل الرابع، بل وقد تتفوق على بعضها.