النهار الاخباريه وكالات
بعد نحو 4 سنوات، أعاد جو بايدن إشعال فتيل الحرب التجارية مع الصين، على طريقة دونالد ترامب؟ فماذا فعل رئيس أمريكا؟ ولماذا الآن بالتحديد؟
كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد أشعل حرباً تجارية مع الصين وفرض تعريفات جمركية على العشرات من المنتجات الصينية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، وردّت بكين باتخاذ إجراءات مماثلة.
توقفت تلك الحرب قبل نحو 4 سنوات، واعتمد جو بايدن على أسلوب مختلف في إدارة الصراع الجيوسياسي مع الصين، لكن فجأة عاد بايدن ليسير على خطى ترامب ويفرض رسوماً جمركية على منتجات صينية.
كيف أشعل بايدن الحرب التجارية مع الصين؟
فجأة ودون مقدمات، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 14 مايو/أيار، قراراً بفرض رسوم جمركية (تعريفات) على عدد من السلع الصينية وبلغت قيمة تلك الرسوم 18 مليار دولار.
تتضمن السلع التي ستشهد تعريفات جمركية جديدة أو زيادة على تعريفات قائمة، أشباه الموصلات والبطاريات والخلايا الشمسية والمعادن والسيارات الكهربائية، ورافعات الموانئ والمنتجات الطبية، والألمنيوم، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
إحدى أبرز التعريفات الجمركية الجديدة، تتضمن زيادة الرسوم على السيارات الكهربائية بمقدار أربعة أضعاف لتصل إلى 100%، وزيادة الرسوم المفروضة على منتجات الصلب والألمنيوم 3 مرات إلى 25%، ومضاعفة الرسوم على أشباه الموصلات إلى 50%.
إذا ما نظرنا إلى حجم الرسوم المفروضة ومقارنتها بحجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، سنجد أن مبلغ الجمارك ليس كبيراً. إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين بكين وواشنطن أكثر من 656 مليار دولار سنوياً، منها 500 مليار صادرات صينية للأسواق الأمريكية.
ويأتي قرار بايدن بعد أكثر من 4 سنوات على توقيع ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ اتفاقاً يوقف حرباً تجارية كانت قد اندلعت منذ 2017، وشهدت تبادل رفع التعريفات الجمركية على سلع البلدين.
ما الفرق بين حرب بايدن وترامب؟
الحرب التجارية التي يشنها بايدن تختلف عن تلك التي شنها ترامب في جوانب مهمة. فبينما كان ترامب يحاول إعادة مجموعة واسعة من وظائف المصانع التي تم الاستعانة بمصادر خارجية فيها للصين؛ يسعى بايدن إلى زيادة الإنتاج والوظائف في مجموعة مختارة من الصناعات الناشئة ذات التقنية العالية، كالطاقة النظيفة مثل السيارات الكهربائية، التي لا يُظهر ترامب اهتماماً كبيراً بتنميتها.
إضافة إلى ذلك وفي خروج حاد عن موقف ترامب الذي يعتمد العمل بمفرده، تعتمد استراتيجية بايدن على جمع الحلفاء الدوليين معاً لمواجهة الصين من خلال مزيج من الحوافز المحلية، وربما الرسوم الجمركية المنسقة على البضائع الصينية.
وبينما يتنافسان على البيت الأبيض مرة أخرى، يعد كل من بايدن وترامب بزيادة الضغط التجاري على الصين، التي يتهمها الرجلان بممارسات تجارية غير عادلة تضر بالعمال الأمريكيين.
لكن الخطوة التي أقدم عليها بايدن الآن من المؤكد أنها ستثير رد فعل صينياً على الأرجح سيكون أكثر حدة مما حدث من قبل عندما اتخذ دونالد ترامب القرار ذاته.
فتش عن الانتخابات الأمريكية
السر في الانتخابات الأمريكية التي توصف بأنها ستكون الأكثر شراسة، حيث من المؤكد تقريباً أن تمثل إعادة للانتخابات الماضية بين الرئيس الحالي بايدن والسابق ترامب، فقد حسم كلاهما تقريباً مسألة الترشيح الحزبي سواء الديمقراطي لبايدن أو الجمهوري لترامب.
إذ يأتي قرار بايدن بعد شهر من تعهد ترامب بذل جهود جديدة لقطع التجارة بين الولايات المتحدة والصين إذا تم انتخابه مجدداً في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ويشترك ترامب وبايدن في الولع الخطابي بمهاجمة الممارسات الاقتصادية الصينية، بما في ذلك اتهام الصينيين بالغش في التجارة العالمية.
كما يشتركان في سياسة أساسية لمواجهة بكين: مئات المليارات من الدولارات من الرسوم الجمركية، أو الضرائب، على الواردات الصينية.
كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد بدأت في التوتر خلال أغلب فترات حكم دونالد ترامب، الذي شن حرباً تجارية شرسة ضد بكين، لكن ذلك لم يمنع التنين من أن يصبح القوة الاقتصادية الأولى عالمياً، بينما يعاني الاقتصاد الأمريكي بشدة من التضخم، بفعل تداعيات جائحة كورونا، ثم حرب روسيا في أوكرانيا، وهو ما يحدّ من قدرة واشنطن على استخدام المساعدات الاقتصادية كورقة ضغط كما كان الحال سابقاً، عكس بكين.
ومع تولّي جو بايدن المسؤولية، وحديثه المتكرر بأن "أمريكا عادت لقيادة العالم"، أصبحت "المنافسة" علنيةً بين بكين وواشنطن، وأصبحت الحرب الباردة بينهما أمراً واقعاً، ليعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الوقت قد حان لنظام عالمي جديد، ليحل محل النظام القديم أحادي القطبية، أو بمعنى آخر النظام الذي تقوده أمريكا وتهيمن عليه.
كيف سترد الصين؟
بالنظر إلى ما حدث في عام 2017 عندما فرض ترامب لأول مرة تعريفات جمركية على السلع الصينية، كان رد بكين دبلوماسياً في مراحله الأولى، وذلك من خلال الإشارة إلى أن الخطوة الأمريكية تتعارض وقوانين منظمة التجارة العالمية.
كما حذرت بكين دول العالم من أن الخطوة الأمريكية من شأنها إحداث فوضى في سلاسل إمدادات السلع. لكن لاحقاً قررت بكين الرد بالمثل، من خلال فرض نسب مماثلة على سلع قادمة من الولايات المتحدة.
الصين الملقبة بـ"مصنع العالم" تعتبر مورداً رئيساً للسلع إلى السوق الأمريكية، وهي متضررة من أية جمارك قد تفرض على أي نوع من السلع التي تصنعها. وكانت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة في عام 2023 قد سجلت أكبر نسبة تراجع منذ 3 عقود، بنسبة هبوط بلغت 13.1% مقارنة مع 2022.
وجاء التراجع بعد أن كثفت واشنطن جهودها لتقليل المخاطر في سلاسل التوريد الخاصة بها منذ نهاية جائحة كورونا، من خلال تقليل الاعتماد على الصين كقاعدة إنتاج.
وبينما قد تكون ردة الفعل الصينية مماثلة لما جرى في 2017، إلا أن هناك عدداً من الأمور التي اختلفت كثيراً عما كانت عليه الأوضاع قبل 4 سنوات، إذ تخشى بكين أن تتسع دائرة الجمارك المفروضة عليها، وهو ما قد يعني مزيداً من المخاطر التي تحدق باقتصادها الذي تتوقع التقارير الغربية نموه قرب 4.8% خلال 2024، وهو قرب أدنى مستوياته في 3 عقود. ويشكل الانكماش العقاري أكبر خطر على النمو في الصين هذا العام، إلى جانب انخفاض التضخم وضعف الاستهلاك المحلي، وسط خشية من دخول عامل ثالث قوي قادم من البيت الأبيض.
النمو الصيني والخطوات الأمريكية
لكن بيانات نُشرت الجمعة 17 مايو/أيار أظهرت أن الناتج الصناعي الصيني نما 6.7% في أبريل/نيسان على أساس سنوي مقابل 4.5% في مارس/آذار، وسط تسارع وتيرة تعافي قطاع التصنيع، طبقاً لرويترز.
فقد جاءت البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة الوطنية للإحصاء أعلى مما توقعه المحللون في استطلاع لرويترز بأن ينمو الناتج الصناعي بواقع 5.5%. وفي المقابل ارتفعت مبيعات التجزئة، وهي مقياس للاستهلاك، 2.3% في أبريل/نيسان متباطئة بعد زيادة بلغت 3.1% في مارس/آذار. وكان المحللون يتوقعون نمو مبيعات التجزئة 3.8%. وزاد الاستثمار في الأصول الثابتة 4.2% في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 عن الفترة نفسها من العام السابق، مقابل توقعات بارتفاع 4.6%.
كما عادت الصادرات والواردات الصينية إلى النمو في أبريل/نيسان بعد انكماشها في الشهر السابق، فيما ارتفعت أسعار المستهلكين للشهر الثالث على التوالي. وحددت الحكومة هدفاً طموحاً للنمو في 2024 عند حوالي 5%. ونما الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من المتوقع بلغت 5.3% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
لكن في الوقت نفسه، تواصل واشنطن ممارسة الضغوط على الاقتصاد الصيني، إذ حظرت الولايات المتحدة الواردات من 26 شركة منسوجات صينية الخميس في إطار جهودها لإبعاد البضائع التي يتم إجبار أقليات الأويغور على المشاركة في تصنيعها بالسخرة من سلسلة التوريد الأمريكية، بحسب ما تقوله أمريكا.
هذه الشركات هي الإضافات الأحدث لقائمة (كيانات قانون منع العمل القسري للأويغور) والتي تضع قيوداً على استيراد السلع المرتبطة بما تصفه الحكومة الأمريكية بإبادة جماعية مستمرة للأقليات في منطقة شينجيانغ الصينية. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن السلطات الصينية تقيم معسكرات عمل للأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ غرب الصين. وتنفي بكين ارتكاب أي انتهاكات.
وقالت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في بيان إن العديد من شركات القطن المدرجة يقع مقرها خارج شينجيانغ ولكنها تحصل على قطنها من المنطقة. ووفقاً للوزارة، فقد وضعت واشنطن قيوداً على الواردات من 65 كياناً منذ إقرار قائمة الكيانات الخاص بقانون منع العمل القسري للأويغور في عام 2021.
من جانبها، تعتبر الصين القرارات الأمريكية "أحادية وأفعالاً حمائية" تنم عن فقدان الثقة والهدوء من جانب واشنطن "وهي تصرفات محكوم عليها بالفشل"، بحسب ما نقلته صحيفة غلوبال تايمز الصينية عن وزير الخارجية وانغ يي.
الخلاصة هنا هي أن بايدن قد أشعل فتيل الحرب التجارية مع الصين على أمل تعزيز حظوظه الانتخابية، لكن تظل النتائج معلقة برد فعل الصين إلى حد كبير، بحسب المراقبين.