وكالة النهار الإخبارية/ عبد معروف
انشغلت النخب والتيارات اليسارية العربية منذ عقود من الزمن بالعمل السياسي، ولم تتمكن من الابداع في النشاط الفكري والفلسفي والذي هو ركيزة اليسار ودعامته، وهذا ما دفع النخب والأحزاب والفصائل اليسارية العربية إلى تضخيم الشعارات والخطابات لتخفي خلفها قضيتين أساسيتين:
الأولى: عجزها عن تطوير الأفكار والفلسفة التي انطلقت منها وعلى أساسها.
والثانية: عجزها عن قيادة الجماهير الشعبية في ميادين نضالها في مواجهة الاحتلال الخارجي من جهة، وفي ميادين المواجهة مع الطبقات الحاكمة والفساد وحيتان والمال من جهة أخرى.
وإذا كانت فصائل اليسار العربي قد خاضت في ميادين الصراع في أحيان متفرقة، إلا أنها كانت تخوض الميادين خلف قيادات مرتبطة وإما أنظمة مافيوية وإما فصائل ومنظمات كانت تعتبرها يمينية وإما أحزاب وقوى طائفية، ولنا في اليسار اللبناني والفلسطيني أوضح مثال. حيث خاضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وغيرها من فصائل ما يطلق عليه اليسار الفلسطيني ببطولة ميادين الصراع على جبهات مختلفة، لكنها لم تتمكن من قيادة المشروع الثوري الفلسطيني ولم تتمكن من قيادة صفوف الشعب خلال انخراطه في ميادين المواجهة، بل بقيت تتستر خلف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تحت مبررات الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وعاد اليسار الفلسطيني ليستر عجزه بالتحالف مع النظام السوري السابق، وإيران وحزب الله خلف مبررات المشاركة في (محور المقاومة)، لكن لم يكن لهذا اليسار الفلسطيني أي دور قيادي لمسار المرحلة، وكلمة تقال أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تقدمت الصفوف الأولى في المشروع الثوري الفلسطيني وبرزت كفصيل متقدم ومنافس لحركة (فتح) في قيادة الثورة الفلسطينية، خاصة أواخر الستينات وأوئل السبعينات، لكن ما تعرضت له الجبهة من انشقاقات ومضايقات وملاحقات وحصار أدى إلى تراجع دورها الثوري ومن موقعها كفصائل ثاني إلى الفصيل الرابع أو الخامس في سلم التأثير على الساحة الفلسطينية.
وما تعرضت له الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لمنع تطور نضالها وكبح جماح اندفاعها الثوري، تعرضت له الجبهة الديمقراطية وفصائل اليسار الفلسطيني الأخرى، وتأرجح وجودها بين هبة المقاومة والثورة والكفاح المسلح وبين الموافقة على قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بالكيان والعمل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية حرصا على الوحدة الوطنية الفلسطينية.
ضاع اليسار الفلسطيني ولم يبق منه إلا الاسم والشعار، وبقي على قيد الحياة خلف فصائل أنظمة وأحزاب يتهمها اليسار بأنها يمينية أو طائفية أو استبدادية ورجعية بحجة الحرص على الوحدة الوطنية والحرص على المقاومة والحرص على التحالفات.
بعد كل هذه السنوات من التراجعات والمبررات أين أصبح اليسار الفلسطيني وإن كان مازال على قيد الحياة فأين دوره اليوم، وما هي قدرته على التأثير والقيادة، وإذا كانت الحجج والمبررات أن طبيعة المرحلة تغيرت، فماذا يفعل هذا اليسار اليوم وما هي مهمته ونحن نعلم أن العدو الصهيوني يزداد شراسة وفاشية وعدوان، والشعب الفلسطيني يزداد فقرا وضعفا وتشردا وضياعا.
لا شك أن طبيعة أي مرحلة، هي التي تحدد طبيعة وأساليب نضالها الثوري، وتحدد طبيعة المهمات وبرامج العمل، وهذه المسؤوليات لا تمتلكها إلا القوى الثورية الطليعية القادرة بإبداعها الفكري والفلسفي أن تقرأ الواقع بمنهج علمي دقيق، لتصنع أدوات نضالها من أجل تغييرهذا الواقع ومواجهة القوى المعادية المسيطرة في ميادين المواجهة وقيادة الشعب نحو التحرير والحرية والتحرر والعدالة الانسانية.