بقلم : محمود غياض
رغم التصعيد الأخير، فإن الحديث عن حسمٍ وشيك للصراع مع إيران يبدو سابقًا لأوانه، ذلك أن المعركة ما تزال في طور التشكّل، ومن المتوقع أن تكون طويلة الأمد بطبيعتها. ما نشهده حاليًا لا يتعدى كونه مقدمات لمسار قد يمتد لسنوات، ما يستدعي قراءة متأنية وعميقة تتجاوز اللحظة الآنية، وتنطلق من فهم السياقات التاريخية والسياسية التي تُشكّل مواقف الأطراف المعنية، وفي مقدمتها إيران.
إيران: من الثورة إلى الاستيعاب فالمبادرة
استطاعت إيران، بشعبها ومؤسساتها، أن تُسقط نظام الشاه الموالي للولايات المتحدة في واحدة من أصعب اللحظات التاريخية، وسط مجازر وضغوط وحصار. ومنذ ذلك الحين، أظهرت قدرة عالية على امتصاص الصدمات وتحويل الأزمات إلى فرص
ومن يراهن على ضعف الشعب الإيراني أو انهياره تحت الضغوط، يتجاهل عمق التجربة التاريخية لهذا البلد، ويُخفق في فهم طبيعة صموده وبنيته الداخلية المتماسكة.
في المواجهة الحالية، تحرّكت إيران بوصفها لاعبًا مركزيًا لا متلقيًا سلبيًا. وقد برز هذا التحول من خلال سرعة استيعاب الضربة الأولى، المتمثلة في استهداف بعض القيادات، ثم الانتقال إلى إعادة ترتيب الداخل، وتفعيل منظومات الدفاع، ما أسهم في ضبط الوضع الداخلي ومنع انزلاقه إلى الفوضى، رغم استمرار بعض التهديدات الأمنية.
احتمال الوساطة: مستبعد وفق العقيدة الإيرانية
أما الحديث عن سعي طهران إلى وساطات لإنهاء الحرب، فهو طرح لا يستند إلى معطيات واقعية، خصوصًا عند مقاربته بعقيدتها السياسية والأمنية. فصانع القرار الإيراني يُدرك أن هذه المواجهة، في تقديره، حتمية سواء اندلعت اليوم أو بعد عقود، ويرى أن توقيتها الحالي مناسب، خلافًا لتقديرات الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، الذي راهن على أن أي حرب مستقبلية ستجري في ظروف تُضعف إيران وتُفكّك جبهتها الداخلية.
الظروف المثالية من منظور طهران
ثمّة معطيات دفعت إيران إلى اعتبار اللحظة الحالية ملائمة للمواجهة:
استعجال أميركي – إسرائيلي لكبح البرنامج النووي الإيراني وإسقاط النظام، مع محاولة اغتيال قيادات عليا، لم تنجح.
تطوّر العلاقة بين طهران وإسلام آباد، التي تحوّلت إلى تعاون لوجستي معلن، ما شكّل مفاجأة للولايات المتحدة.
الرد الإيراني جاء دقيقًا ومفاجئًا من حيث الحجم والتأثير، بما تجاوز التوقعات الإسرائيلية.
إيران، بمساحتها الجغرافية الشاسعة مقارنة بفلسطين المحتلة، تملك قدرة أكبر على امتصاص الاستنزاف الزمني.
دخول الولايات المتحدة وبريطانيا في مواجهة مباشرة يمنح طهران ذريعة قانونية لإغلاق مضيق هرمز، مع احتمال اتساع رقعة الاشتباك إقليميًا ودوليًا.
الخلاصة: إيران ليست الحلقة الأضعف
الصمود الذي أظهرته الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية لمدّة 66 يومًا، رغم غياب التكافؤ في العتاد، يعكس جزءًا من شبكة الردع التي تشكّلت بدعم من طهران. من هنا، فإن توقّع هزيمة إيران السريعة، رغم قدراتها العسكرية والتحالفات التي بنتها، يفتقر إلى الموضوعية.
الرهان على تعب الشارع الإيراني أو انهياره تحت وطأة الضغوط أثبت فشله عبر العقود الماضية. فإيران اليوم تخوض المواجهة من موقع الفعل، لا كردّة فعل، وهي تستند إلى وعي شعبي، وبنية أمنية وسياسية تملك من المرونة ما يكفي للثبات والمبادرة في آنٍ معًا.