الأحد 24 تشرين الثاني 2024

القبة الحديدية تغير الكثير في النُظم الدفاعية للشرق الأوسط

باحثون يرون أنه من الضروري البدء في وضع تصورات جديدة للقبة الحديدية التي تعد عنصرا أساسيا في منظومة الدفاع الإسرائيلية وتطويرها لحماية الجبهة الداخلية.
مع كل ما تحمله القبة الحديدية من ميزات عسكرية أتاحت لإسرائيل التفوق في الشرق الأوسط، وبالنظر إلى مشاركة الولايات المتحدة في هذا المشروع، فإن الباحثين يرون أن الدروس المستفادة طيلة عقد كامل من العمليات تحتم على صناع القرار الإسرائيلي وضع تصورات مستقبلية أكثر ابتكارا حتى يتكيف النظام مع المتغيرات المتسارعة ، وهو الذي غيّر الكثير في عمل المنظومات الدفاعية في المنطقة، بما في ذلك الاتصال المستقبلي المحتمل لليزر.
مثّل السابع من أبريل 2011 انطلاق حقبة جديدة لقوات الدفاع الجوي والصاروخي الإسرائيلية حيث نجح نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ قصيرة المدى للمرة الأولى في اعتراض صاروخ أطلق من قطاع غزة على مدينة عسقلان.
وقد اعتبر الخبراء أن تلك اللحظة كانت منعطفا مهما لهذه المنظومة بفضل توظيف أحدث التقنيات المبتكرة فيها، والتي كان الدافع من بنائها في الأساس هو مواجهة أيّ هجمات بالصواريخ على إسرائيل وفي الوقت ذاته المضي قدما في الحفاظ على التفوق العسكري أمام كل جيوش الشرق الأوسط، فضلا عن التصدي لهجمات الجماعات المسلحة كحزب الله اللبناني وحركة حماس.
ويقوم نظام القبة الحديدية، الذي مر بمراحل متلاحقة من التطوير منذ أن أدخلته إسرائيل للخدمة بشكل فعلي في العام 2006، باكتشاف مجموعة متنوعة من الأهداف قصيرة المدى وتقييمها واعتراضها مثل الصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون، إضافة إلى اعتراض الطائرات المسيّرة.
لكن القبة الحديدية لم تكتمل بعد، ومن المرجح أن تستمر التطويرات خلال السنوات القادمة بينما يتعلم أعداء إسرائيل من عيوب النظام طوال الوقت ولا يتوقفون عن محاولة مفاجأتها، ويكمن دور هؤلاء في أن يكونوا متقدمين على الإسرائيليين بخطوة دائما.
الدروس المستفادة
تعد القبة الحديدية عنصرا أساسيا في منظومة الدفاع الإسرائيلية متعددة الطبقات، وتقرر تطويرها لحماية الجبهة الداخلية من التهديدات الصاروخية. وبينما تحمي من التهديدات قصيرة المدى يدافع نظام مقلاع داود ضد التهديدات من المستوى المتوسط، وتدافع أنظمة حيتس أو آرو ضد التهديدات من المستوى الأعلى.
وأتاحت القبة الحديدية على مدى العقد الماضي تفوقا غير مسبوق لإسرائيل، لكن الباحثين يرون أنه من الضروري اليوم البدء في وضع تصورات جديدة بحيث يستجيب النظام بقدرة أكثر كفاءة وبجهود تكنولوجية أكبر خلال العقد المقبل. وتدل جميع المؤشرات إلى أن هذا بدأ بالفعل.
ومع أن هذه المنظومة الدفاعية تحظى بتقدير في الدوائر المهنية والسياسية والعسكرية والمدنية داخل إسرائيل وخارجها نتيجة نجاحها العملي والتكنولوجي، لكنها لا تزال تتعرض للانتقادات بسبب العيوب أو أوجه القصور التي تعتريها.
ويُفصّل جاكوب ناغل زميل أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات تلك الانتقادات ضمن اتجاهين: الأول على المستوى التكتيكي، حيث تم التشكيك في قدرات القبة الحديدية التشغيلية. أما الثاني فعلى المستوى الاستراتيجي، فقد أثيرت مخاوف من أن الضرر يفوق أيّ فائدة، وخاصة نظرا إلى التأثير السلبي على عملية صنع القرار داخل إسرائيل والشرعية الدولية.
ويزعم المنتقدون أن القبة الحديدية باتت عبئا بمرور الوقت. وقد حلل مشروع بحث أكاديمي من كلية الأمن القومي في إسرائيل وبتوجيه من ناغل وزميله ساشار شوهات من شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة تأثير النظام على استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وسياسيا.
وبعد عقد من الخبرة التشغيلية وأكثر من 2500 عملية اعتراض ناجحة وجد البحث أن القبة الحديدية تشكل منظومة دفاعية من الدرجة الأولى، وليس سيفا ذا حدين. وغالبا ما يغير النظام عملية صنع القرار السياسية في إسرائيل، وأساليب الهجمات التي تتبناها الجيوش والجماعات المسلحة في المنطقة وتكتيكاتهم.
ويساهم التعاون المستمر بين إسرائيل والولايات المتحدة في تطوير القبة الحديدية وتجهيزها في تعزيز التعاون الاستراتيجي والتكنولوجي بين البلدين والدفاع عن المدنيين والعسكريين فيهما.
وكان الجيش الأميركي، الذي يواجه العديد من التهديدات المشابهة لإسرائيل، قد قرر شراء بطاريتي قبة حديدية كحلّ مؤقت في انتظار تحديد الحل الدائم الأنسب لاحتياجاته. وفي الوقت ذاته أعرب مشاة البحرية الأميركية أيضا عن اهتمامهم بالنظام وأجروا العديد من الاختبارات الناجحة.
وقامت القوات البرية الأميركية في منتصف نوفمبر الماضي بتنشيط بطاريتين من منظومة القبة الحديدية متعددة المهام، التي اشترتها الولايات المتحدة من إسرائيل، وذلك في قاعدة فورت بليس بولاية تكساس.
آفاق العقد المقبل
لمواجهة التهديدات المستقبلية ولإثبات مدى جدوى المنظومة يشدد الباحثون على ضرورة اختبار القبة الحديدية وتحسينها وإجراء تعديلات باستمرار للتأكد من أنها تحافظ على تفوقها كونها في معركة لا نهاية لها بين التهديد والاعتراض.
ولكل نظام حدود ونقاط ضعف. ومع ذلك، يقول ناغل إنه "إذا لم نبذل قصارى جهدنا لتعزيز ابتكاراتنا وتجديدنا، فسوف ينتقص خصومنا من فعالية القبة الحديدية وتفوقها. حيث لا يوجد حل دفاعي محكم إلى أجل غير مسمى”.
ويتفق شوهات مع هذا الموقف ويضيف "يجب أن نختبر تطورات الأعداء واتجاهات التهديد باستمرار، وأن نكيف أنظمتنا لتحقيق دفاع فعال وأمثل للحفاظ على نجاحنا في ساحات المعارك المستقبلية”.
وتظل الحلول القائمة على الليزر أحد مجالات الاهتمام الرئيسية، فمنذ عملية صنع القرار المرتبطة بالقبة الحديدية، تم تقديم ادعاءات لا أساس لها تتعلق بأداء الأنظمة القائمة على الليزر مقابل الأنظمة القائمة على الاعتراض الحركي باستخدام الصواريخ.
ويبدو فهم إيجابيات نظام يعتمد على الليزر وسلبياته أمرا مهما اليوم، نظرا إلى التقدم الكبير في تطوير التكنولوجيا في إسرائيل. ومن هذا المنطق يرى ناغل و شوهات أنه يجب تصحيح بعض الحجج من الناحية الواقعية للانتقال إلى نظام قائم على الليزر.
ويشرح الباحثان ذلك انطلاقا من ثلاثة عوامل، الأول سيمنع نظام الاعتراض القائم على الليزر أيّ اضطراب لأنه نظام شبه مثالي ولا توجد أنظمة مثالية. لكن، يبدو أن أداء الأنظمة القائمة على الصواريخ أفضل من تلك القائمة على الليزر.
أما الثاني، ستتعامل أنظمة الليزر بشكل أفضل مع وابل الهجمات، ولكن العكس هو الصحيح. وهذا من أكبر عيوب النظام القائم على الليزر، لأن دور هذا النظام الأساسي سيكمن في التعامل مع سلسلة من التهديدات حيث تبقى البيانات التي تزعم "الاعتراض بسرعة الضوء” مضللة.
وبينما يمكن أن يصل الشعاع إلى هدفه بسرعة الضوء وبشكل ملحوظ أسرع من الصاروخ، يجب أن يبقى على كل هدف لعدة ثوان لتدميره ويعتمد إلى حد كبير على متغير التهديد، وقوة الشعاع وبعده عن الهدف
وسيكون النظام القائم على الليزر محدودا تماما في قدرته على مواجهة الهجمات ما لم يكن من الممكن بناؤه بأشعة متعددة، مما يعني نظاما آخر، مما سيزيد التكلفة الإجمالية بشكل كبير.
وفي الأنظمة القائمة على الصواريخ متعددة الأغراض، تُطلق الصواريخ بشكل مستقل، وتُشغّل في وقت واحد بواسطة النظام وتعمل على الفور على الهدف لمواجهة التهديدات القادمة.
وبالنسبة إلى الحجة الثالثة غير الدقيقة، فإن أنظمة الليزر لا تتطلب تعديلات للتهديدات الجديدة إذ ليست الأنظمة التي تعتمد على الليزر قوية، وتجب برمجة كل تهديد على حدة.
وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد أعلنت في فبراير 2020 عن إنجاز تقني في تطوير ليزر الحالة الصلبة. ويعدّ عمق هذا الإنجاز وخطورته جديران بالملاحظة، وكذلك قدرته على تعزيز قدرات الطبقة الدفاعية الإسرائيلية التكتيكية.
ويضيف الاستخدام الصحيح والمخطط لهذه التكنولوجيا إلى قدرات الاعتراض بطريقة أحدث وأرخص، بناء على فهم حدودها.

وفي حين يعدّ هذا تقدما كبيرا يسمح بإظهار قدرات النظام في ساحة المعركة، إلا أن تطوير النطاق التشغيلي الكامل يتطلب سنوات وأموالا أكثر. وليس هناك شك في أن إضافة جهاز اعتراض ليزر إلى جانب جهاز اعتراض القبة الحديدية التقليدي سيحسن الأداء العام وسيكون مفيدًا لشركاء إسرائيل أيضا، بما في ذلك الولايات المتحدة.

المصدر: العرب اللندنية