الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

“البرهان أفلت بصعوبة من القبض عليه”..

النهار الاخبارية - وكالات 

نشر موقع  Middle East Eye البريطاني، الخميس 4 مايو/أيار 2023، تقريراً كشف فيه عن الساعات الأولى للاشتباك في السودان يوم 15 أبريل/نيسان، والخطة الخاطفة التي وضعها قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، لمحاولة  إلقاء القبض على قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان من داخل قيادة القوات المسلحة السودانية والانقلاب عليه.

التقرير أشار إلى أن الدعم السريع حركت نحو 2,000 مقاتل من القوات شبه العسكرية في شوارع الخرطوم خلال الساعات الأولى من يوم 15 أبريل/نيسان، متجهين نحو مقر قيادة القوات المسلحة السودانية.

وفي داخل المقر، يقع مقر إقامة قائد الجيش، الذي يُعد الخصم اللدود لقائد قوات الدعم السريع. وفجأةً، تعرض منزل البرهان للهجوم.

خطة الهجوم على مقر القيادة
ونقل "ميدل إيست آي" عن مصادر سودانية مقربة من الجيش طريقة تقدُّم قوات الدعم السريع نحو مقر القيادة العامة، قادمين من حي قريبٍ من المطار في تمام الساعة 8:50 صباحاً، بينما كانوا يحملون سلسلة من الأسلحة ذات الأعيرة المختلفة.

وشنّت قوات الدعم السريع هجوماً على مسكن البرهان من ثلاث جهات، لتقتل 35 من أفراد حرس الرئاسة، بحسب المصادر. وكان حاكم السودان الفعلي، البرهان، داخل منزله في تلك الأثناء وأفلت بصعوبةٍ من الأسر -أو ما هو أسوأ.

وكان ذلك الهجوم هو المسؤول عن رسم ملامح الصراع بين جيش البرهان وبين قوات دقلو، المعروف باسم حميدتي. وبعد وقتٍ قصير من الهجوم على منزله، خرج حميدتي ليقول إن البرهان سيتم القبض عليه "أو سيموت كالكلب".

في ما قال مسؤول سوداني من الموالين للبرهان: "لقد كانت محاولة انقلاب من حميدتي وقوات الدعم السريع.. إذاً حاولوا الاستيلاء على السلطة".

وتحدثت مصادر في السودان، والولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر، وغيرها من الدول مع الموقع البريطاني عن الساعات الأولى من القتال. وأضافوا بعض التفاصيل التي لم تُنقل من قبل عن التصعيد المشحون الذي سبق الصراع، عندما بدأت استعدادات الجيش والقوات شبه العسكرية للصراع المرتقب.

وقد مثّل الهجوم على مقر إقامة البرهان لحظةً مبكرة فارقة في سلسلة المعارك التي اشتعلت داخل حي الخرطوم القريب من المطار، وغيره من المباني الحيوية، مثل مكاتب أجهزة الاستخبارات ومقر إقامة حميدتي شخصياً.

وباعتباره نائب الحاكم الفعلي للسودان، كان حميدتي يقيم داخل مقر الإقامة المخصص لنائب الرئيس. ومن هناك، كان قائد قوات الدعم السريع يتمتع بوصول مباشر إلى مقر قيادة الجيش ومقر إقامة البرهان، وغيرها من البنايات الحكومية المحيطة.

بينما كان مقاتلو قوات الدعم السريع متمركزين داخل الحي فعلياً، وقادرين على شن هجومهم بسهولة.

بنايات مقر القيادة العامة
وينقسم مقر القيادة العامة إلى بنايات منفصلة لأقسام الجيش المختلفة، مثل القوات الجوية، وتربط بينها سلسلة من البوابات. 

وقد استولى قوات الدعم السريع على بوابات بناية القوات البرية، وأحرقوها بالكامل، بحسب تصريحات المصادر المقربة من الجيش للموقع البريطاني.

وفي الصباح ذاته، اندلعت المعارك في معسكر سوبا جنوب الخرطوم والمدينة الرياضية، حيث توجد قاعدة لقوات الدعم السريع. بينما صرّح مستشار حميدتي لوكالة Reuters البريطانية بأن مقاتلي قوات الدعم السريع في سوبا استيقظوا على صوت هجمات الجيش في ذلك الصباح.

إذ قال شهود عيان في الخرطوم للموقع البريطاني إن أولى الرصاصات انطلقت في سوبا ثم المدينة الرياضية، بينما تؤكد المصادر المقربة من الجيش أن القتال اندلع في المطار قبل أن ينتقل إلى مقر القيادة العامة.

وراجع الموقع البريطاني مقاطع فيديو تُظهر مركبات القوات المسلحة السودانية وهي تناور في سوبا، قرب المدينة الرياضية، في تمام الساعة 9:20 صباحاً.

انهيار العلاقات
لا نستطيع تحديد هوية من أطلق الرصاصة الأولى على وجه الدقة، لكن المؤكد هو أن التوترات كانت تتصاعد منذ فترة.

إذ بدأ حميدتي في نقل الآلاف من مقاتلي الدعم السريع إلى مواقع استراتيجية حول الخرطوم، وإلى القاعدة الجوية في مروي على بعد نحو 330 كيلومتراً شمال العاصمة.

إذ قال المسؤول السوداني: "سعى حميدتي على مدار أشهر إلى نشر قوات الدعم السريع حول المطارات العسكرية الخمسة الرئيسية في السودان".

ولا شك أن نشر قوات الدعم السريع لأسلحة مضادة للطائرات داخل المواقع الاستراتيجية والمناطق الحضرية قد أثار حفيظة الجيش. وقد استُخدِمَت الأسلحة نفسها ضد الخصوم في الجو والبر على مدار الأسبوعين الماضيين.

يُذكر أن الجيش كان يراقب عمليات نشر تلك الأسلحة ويستعد للرد، بحسب تصريح مصدر مقربٍ من الجيش لموقع Middle East Eye.

كما كان البرهان وحميدتي على اتصال واتفقا على اللقاء شخصياً في يوم 15 أبريل/نيسان، وهو يوم اندلاع الاشتباكات. ولم يحدث ذلك الاجتماع مطلقاً، لكن التقارير تقول إنهما جلسا معاً داخل مزرعةٍ على أطراف الخرطوم في الثامن من أبريل/نيسان.

من جهتهم، أفاد المسؤولون السودانيون بأن البرهان قد طلب من حميدتي نقل مقاتلي قوات الدعم السريع خارج الخرطوم. بينما طلب حميدتي من البرهان أن يأمر بسحب القوات المصرية من قاعدة مروي، خشية أن تستخدم مصر المقربة من قائد الجيش قواتها ضده. ولم يتزحزح أي منهما عن موقفه.

فيما قال مسؤول سوداني آخر يعمل مع القوات المسلحة: "يعصي حميدتي تسلسل القيادة منذ عامين. وانتشر بعض الإحباط في أوساط الجيش حيال فشل البرهان في التصرف لإيقاف ذلك".

وفي النهاية، استولت قوات الدعم السريع على قاعدة مروي الجوية واحتجزت 27 جندياً مصرياً، قبل أن تسلمهم للقاهرة تحت ضغوطات مكثفة.

كما قال مصدر عسكري مصري للموقع البريطاني إن الطيارين المصريين يحلقون بالطائرات الحربية التابعة للقوات الجوية السودانية منذ بدء الصراع، ويشنون الغارات على مواقع قوات الدعم السريع نيابةً عن الجيش. لكن المسؤول المقرب من الجيش السوداني أنكر ذلك.

الذهب المتنكر في هيئة بسكويت
تعاون البرهان وحميدتي معاً لقيادة انقلاب عام 2021، الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية الموالية للديمقراطية في السودان.

وسرعان ما بدأت علاقتهما في الانهيار بعد وصولهما إلى السلطة؛ إذ أدت فكرة الصفقة السياسية التي توسط فيها الغرب، من أجل ضم قوات الدعم السريع تحت لواء الجيش، إلى رفع درجة التوترات خلال الأشهر التي سبقت اندلاع الاشتباكات.

وقال إيهود يعاري، مستشار الحكومة الإسرائيلية في الشأن السوداني: "أدرك الوسطاء العاملون في الخرطوم أنهم ارتكبوا خطأ فادحاً عندما عرضوا دمج قوات الدعم السريع. وهذا هو ما أدى إلى إشعال الاشتباكات".

في ما قال كاميرون هادسون، محلل وكالة الاستخبارات المركزية السابق وخبير الشأن السوداني: "كانت قوات الدعم السريع تنقل الجنود والعتاد إلى داخل الخرطوم وما حولها، وهذا هو العامل الذي حرّك أفكار القوات المسلحة السودانية".

وجاء تحريك القوات متبوعاً بتنصيب أسوارٍ عالية حول المباني الرئيسية، قبل أن تتعرض لإطلاق النار في النهاية.

وزادت التوترات، بحسب المسؤول الغربي، نتيجة مصادرة كميات كبيرة من الذهب المتنكر في هيئة بسكويت خلال شهر مارس/آذار، وذلك على متن رحلةٍ جوية روسية في مطار الخرطوم.

يُذكر أن حميدتي وعائلته يملكون شركةً لتعدين الذهب تعمل داخل الأراضي التي صادرها في دارفور، بغرب السودان، عام 2017. وقد تحدّث حميدتي صراحةً عن أنه ليس "أول رجلٍ يملك مناجم ذهب"، لكن تلك المناجم تمثل مصدراً رئيسياً للنفوذ والثراء بالنسبة له ولمقاتليه.

كما يُعتقد أنه يساعد في إمداد روسيا بالذهب، ليساهم في جهود موسكو للحفاظ على استقرار اقتصادها في مواجهة العقوبات الغربية.

وقال المسؤول السوداني الأول: "حميدتي متورط في تجارة الذهب منذ سنوات. وقد راكم الأموال داخل مختلف الأنظمة المصرفية، وليس في الإمارات وحسب".

بينما أفاد المسؤول الغربي بتهريب ما يقدر بـ32.7 طن من الذهب خارج السودان على متن 16 رحلة طيران عارض، بقيمة تقديرية تبلغ 1.9 مليار دولار، وذلك بين فبراير/شباط عام 2022 وفبراير/شباط عام 2023. وأوضح المسؤول أن تلك الشحنات كانت تحمل ملصقات البسكويت دائماً.

كما قال المسؤول إن مقاتلي قوات الدعم السريع حاولوا الاستيلاء على الذهب من السلطات، وذلك قبل ساعات من اندلاع الاشتباكات.