النهار الاخبارية - وكالات
أن الاتفاق الأمني بين العراق وإيران، على نقل الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة بعيداً عن الحدود مع إيران، ونزع أسلحة قادتها لم يتم تفعيله كاملاً.
أعلنت اللجنة العليا لتنفيذ الاتفاق الأمني بين العراق وإيران، يوم الثلاثاء 19 سبتمبر/أيلول 2023، إخلاء مقرات جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة عبر الحدود في كردستان العراق، وبشكل نهائي.
وأضاف البيان الصادر عن اللجنة أنه تم "نزع سلاح" هذه الجماعات ونقلهم كلاجئين في مناطق أخرى بعيدة عن الحدود الكردية العراقية مع الجمهورية الإسلامية، كما تم نشر قوات الحدود الاتحادية بتلك المناطق والتواجد الدائم بها ورفع العلم العراقي فقط.
لكن هناك الكثير من الاسئلة حول إعلان بغداد تنفيذ هذا البند، وإبعاد الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة ونزع سلاحها، كما أن الكثير من الجدل والقلق يدور في كردستان العراق وبين الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة.
خلال هذا التقرير تواصل مع مجموعة من المصادر من جميع الأطراف، لمعرفة تفاصيل ما حصل بعد تنفيذ الاتفاق.
هل تم تنفيذ الاتفاق الأمني بين العراق وإيران؟
رغم تأكيد البيان الصادر عن اللجنة المشتركة على تنفيذ الاتفاق الأمني بين العراق وإيران، على نقل الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، فإن عدداً من المصادر أكد أحداثاً أخرى مختلفة.
قائد في حزب كومالا الشيوعي، وهي إحدى الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، كشف ، نقل جزء من أهالي قادة الجماعات إلى المناطق التي وافقت عليها شرط ألا تكون في سهول كردستان أو المناطق الحضرية.
وأضاف المتحدث أنه تم التوصل لاتفاق مع عدد من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بإقليم كردستان العراق، وطرحنا وجهات نظرنا بشأن نقلنا إلى سهول كردستان أو المناطق الحضرية، ونزع السلاح، وتوصلنا إلى اتفاق.
وبخصوص نزع السلاح، قال المصدر نفسه إنه تم نزع جزئي لسلاح حزب كومالا الشيوعي الكردي الإيراني، وهو من أكثر الجماعات الكردية المعارضة لطهران منذ الثمانينيات.
ما قاله القائد من حزب كومالا الشيوعي الكردي الإيراني أكده مصدر أمني رفيع المستوى في حكومة كردستان العراق ، والذي قال إنه "تم الاتفاق على عدم نقل جميع المجموعات الكردية الإيرانية بالفعل".
وأشار المتحدث إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لم يوافق تماماً على نزع سلاح مقاتليه، وقررت حكومة أربيل تأجيل الأمر والبدء مع الجماعات الكردية التي وافقت بسهولة في البداية لتهدئة الوضع مع الإيرانيين".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "من شبه المستحيل نزع سلاح كل فرد في هذه الجماعات في الموعد الذي حددته طهران، لكن إذا لم نكن تحركنا في الوقت المحدد كانت ستتحول كردستان العراق لساحة معركة مع الإيرانيين".
في السياق نفسه، قالت قائدة عسكرية من منظمة "كادحي كردستان": "طلبت منا حكومة أربيل ترك المناطق الجبلية التي يتركز بها أعضاء المنظمة من أجل الانتقال إلى المناطق الحضرية داخل إقليم كردستان، لكن لرفضها في البداية رفضنا".
وعن أسباب الرفض، قالت المتحدثة إن "الانتقال سيُسهل عملية اغتيال أعضائنا من قبل عملاء الحرس الثوري داخل إقليم كردستان، لكن مع اقتراب الموعد الذي حددته إيران لحكومة أربيل اضطررنا لترحيل بعض عائلات أعضاء المنظمة، دون نزع سلاح المقاتلين".
كما عبّرت القائدة العسكرية عن مخاوفها من الضغوط الكردية قائلة: "الأكراد العراقيون خائفون من طهران هذه المرة، وهذا ما يثير قلقنا من إصرار حكومة أربيل على ترحيلنا إلى مناطق تعتبر خطيرة، ورغم أننا لم نوافق إلى الآن على نزع السلاح، لكن نشعر أن هذا الأمر وشيك الحدوث".
ومنذ التمرد الذي قاده الأكراد الإيرانيون ضد الحكومة التي تلت الثورة الإسلامية، ونجاح الحرس الثوري في القضاء على الحركة الكردية التي طالبت باستقلال إقليم كردستان إيران عن الجمهورية الإسلامية الجديدة، تم نفي هذه الجماعات إلى العراق بترحيب من الرئيس العراقي صدام حسين، واختاروا التمركز في المناطق الحدودية في إقليم كردستان العراق بالقرب من الحدود الإيرانية.
يوجد في إقليم كردستان العراق ست مجموعات كردية إيرانية معارضة وهي: "منظمة كادحي كردستان"، "جمعية الكادحين الثوريين لكردستان إيران"، حزب "كومالا الشيوعي"، الحزب "الديمقراطي الكردستاني الإيراني"، حزب "الحرية الكردستاني الإيراني"، وحزب "الحياة الحرة الكردستاني".
إيران تهدد: تنفيذ الاتفاق أو الهجوم على كردستان العراق
في نهاية أغسطس/آب 2023 سافر وفد من قادة الحرس الثوري الإيراني وضباط من المخابرات الإيرانية في زيارة سرية إلى بغداد، وعقدوا اجتماعاً مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وقادة الفصائل الشيعية العراقية المتحالفة مع إيران.
يقول مصدر عراقي مطلع على هذا الاجتماع "الإيرانيين كانوا غاضبين، وشددوا على ضرورة تنفيذ الاتفاق الأمني ونقل الجماعات الكردية الإيرانية المتمركزة في كردستان العراق إلى أبعد نقطة عن الحدود الإيرانية".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "لقد كشفوا عن تهديداتهم بشكل مباشر وصريح، قالوا إنه إذا لم يتم تنفيذ الاتفاق في 19 سبتمبر/أيلول، سيقوم الحرس الثوري بشن هجمات صاروخية متتالية علي كردستان العراق، كما شددوا على عدم مد المهلة".
وبحسب مصدر فإن إيران طلبت من حكومتَي بغداد وأربيل تنفيذ الاتفاق الأمني في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، لكن تم تأجيل موعد التنفيذ لبضعة أيام ليصبح 19 سبتمبر/أيلول 2023.
وبحسب المصدر السابق، كان القادة الإيرانيون الذين زاروا بغداد سراً قلقين من عدم جدية حكومتَي بغداد وأربيل في نقل الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، خاصة مع اقتراب ذكرى وفاة مهسا أميني في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري.
مصدر إيراني مقرب من الحرس الثوري قال "كان لدى قادة الحرس خطة في حال لم تفِ حكومتا بغداد وأربيل بالتزاماتهما، وكانوا سيشنون هجمات صاروخية على مناطق تمركز الجماعات الكردية الإيرانية الانفصالية داخل كردستان العراق".
في السياق نفسه، قال مصدر أمني كردي عراقي: "قبل أسابيع قليلة من الموعد الذي حدده الإيرانيون لنقل الجماعات الكردية الإيرانية، تسلل عدد من عملاء الحرس الثوري ونفذوا سلسلة من الاغتيالات لقادة هذه الجماعات، مما كان يهدد بعدم الاستقرار في إقليم كردستان العراق".
جدير بالذكر هنا أن سبب إصرار طهران على نقل الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة المتمركزة في كردستان العراق جاء بعد ما شهدته الجمهورية الإسلامية من احتجاجات العام الماضي.
وبحسب مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، فإنه قبل وفاة مهسا أميني قامت الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان العراق بدعوة الأكراد الإيرانيين إلى الإضراب العام؛ احتجاجاً على مقتل الفتاة الكردية الإيرانية.
وبالفعل لاقت هذه الدعوة صدى واسع النطاق بشكل هدد استقرار إقليم كردستان إيران؛ ما دفع الحرس الثوري إلى شن حملة أمنية عنيفة في الإقليم الكردي الإيراني، ومن ثَمَّ قررت المؤسسة الأمنية والسياسية في إيران اتخاذ خطوات جادة لإبعاد خطر الجماعات الكردية المعارضة عن حدودها.
ماذا عن حكومة بغداد وحلفاء إيران في العراق؟
يقول مسؤول سياسي بارز من الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان العراق، إن "حكومة بغداد وحلفاء إيران الشيعة رحبوا بقرار إيران، لأنه سيمنحهم تواجداً كبيراً على حدود إقليم كردستان العراق وسيُقوض السيادة الكردية العراقية".
ومن المفترض أن تأمين حدود إقليم كردستان العراق من ضمن وظائف القوات الأمنية الرسمية لحكومة أربيل، لكن كان من ضمن المطالب الإيرانية إشراف القوات النظامية وقوات الحشد الشعبي على مسألة نقل الجماعات الكردية ونزع سلاحها.
وحسب مصادر ، فإن حكومة إقليم كردستان العراق رفضت أمر تدخل حكومة بغداد، واعتبرته انتهاكاً لمبدأ الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم منذ التسعينات.
في هذا الصدد، قال مسؤول سياسي من الحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست": "إلى الآن أشرفت القوات الأمنية الرسمية لحكومة أربيل على نقل الجماعات الكردية الإيرانية".
وأضاف المصدر نفسه أن "ما نخشاه في أربيل أن تتذرع الجماعات الشيعية المتحالفة مع إيران والتي ترغب منذ فترة طويلة بالسيطرة على حدود إقليم كردستان، بإرسال قواتها العسكرية إلى الحدود الكردية العراقية، وهذا يهدد بخطر إضعاف الحكم الكردي في العراق".
علي الجانب الآخر، قال قيادي من الحشد الشعبي العراقي ومقرب من طهران: "الأكراد لديهم دائماً نظرية مؤامرة يتعاملون على أساسها مع العراقيين العرب في كل أزمة، نحن لا نريد السيطرة على الحدود الكردية، نحن نريد ضبط الأمن القومي العراقي".
وقال المصدر نفسه إن "حكومة أربيل لا تريد حقاً إبعاد الجماعات الكردية الإيرانية بالرغم من حديثها المستمر عن عدم استخدام أراضيها للهجوم على الدول المجاورة، وهذا سيغضب الإيرانيين ولديهم كامل الحق، وسيعرض سيادة العراق للانتهاك عندما يقوم الإيرانيون بشن الهجمات على الأراضي الكردية العراقية".
مسؤول حكومي عراقي ومقرب من الإطار التنسيقي الشيعي قال إن "قادة الإطار التنسيقي يريدون السيطرة علي إقليم كردستان العراق بأي شكل، خاصة بعد مسألة وقف صادرات النفط المستقلة للإقليم".
وقال المصدر الذي ينتمي إلى الإطار الذي يحكم العراق ويضم كافة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة المعتدلة والمقربة من إيران، إن "قادة الإطار يخشون من النزعة الانفصالية التي يهدد بها قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أي مناسبة".
يُشار إلى أن العلاقة بين حكومة بغداد المركزية وحكومة إقليم كردستان ليست في أحسن الأحوال في الوقت الحالي، خاصة بعد نجاح حكومة بغداد في انتزاع حكم قضائي دولي بوقف صادرات الطاقة المستقلة لإقليم كردستان العراق، والسيطرة عليها من قِبَل الشركة العراقية الوطنية للنفط (سومو)، وتقاسم إيرادات صادرات الطاقة بين حكومتَي أربيل وبغداد.
بالإضافة إلى أن العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني أحد أكبر الأحزاب المسيطرة على إقليم كردستان العراق، والإطار التنسيقي الشيعي الحاكم لحكومة بغداد ليست بأفضل حال كما هي في أغلب الأوقات.
الأكراد العراقيون بين نارَين
قال قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني "لا يمكن أن نعرض إقليم كردستان للاضطراب وعدم الاستقرار، لدينا من المشاكل ما يكفينا، خاصة المشاكل الخاصة بتصدير النفط مع حكومة بغداد".
لكن في نفس الوقت نفذت حكومة إقليم كردستان العراق المطالب الإيرانية ومطالب الحكومة المركزية في بغداد على مضض وبشكل جزئي إلى الآن، الأمر الذي أكده مسؤول حكومي في حكومة إقليم كردستان وعضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
إن "تنفيذ المطالب الإيرانية بنقل الأكراد الإيرانيين ونزع سلاحهم والدخول في مناوشات معهم ستكون له تداعيات جيوسياسية على حكومة إقليم كردستان".
وأضاف المتحدث أنه بعيداً عن التزام حكومة أربيل بمبدأ الحفاظ على الهوية العرقية الكردية، فإن إبعاد مثل هذه الجماعات المتحالفة مع حكومة أربيل يُضعف مكانة الحكومة الكردية في المشهد الإقليمي الأكبر.
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "الشيعة العراقيون في بغداد يريدون تجريد حكومة إقليم كردستان من نفوذها حكمها الذاتي، والضغط الإيراني علينا يزيد من حماسهم في بغداد تجاه هذا الأمر".
وفي نفس السياق، يقول المحلل السياسي الكردي والمقرب من دوائر صنع القرار في إقليم كردستان، إبراهيم كامران لـ"عربي بوست": "لا يمكن إنكار الدور المهم الذي لعبته الجماعات الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان في ترسيخ الحكم الذاتي والنفوذ الإقليمي لحكومة الإقليم".
وأضاف المتحدث أن "انصياع حكومة الإقليم للمطالب الإيرانية بطرد هذه الجماعات ونزع سلاحها سيجردها من أهم أدواتها للتنافس الإقليمي، وهذا أكثر ما يقلق القادة الأكراد في إقليم كردستان، لكن البديل سيكون التعرض للهجمات الإيرانية".
وأشار كامران إلى أن "الخيار صعب، وحكومة إقليم كردستان بين نارين الآن، لكن أعتقد أنها ستلجأ إلى حل وسط، تنفيذ الاتفاق الأمني في إطار ضيق إلى حد ما لإرضاء الإيرانيين والشيعة العراقيين المتحالفين معها".
وفي نفس الوقت، حسب المتحدث، ستعقد صفقات مع الجماعات الكردية الإيرانية لاستيعاب التطورات الأخيرة والتهديدات الإيرانية لتهدئة الوضع لضمان أمان جميع الأطراف في كردستان العراق.