الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

استقرار أسعار النفط يعيد المياه لمجاريها بين أمريكا والسعودية

النهار الاخبارية - وكالات 

تتطلع الولايات المتحدة والسعودية إلى تجاوز المشاحنات التي شهدها العام الماضي بسبب النفط، للتركيز على صفقات الدفاع والطيران التي تصل قيمتها إلى عشرات مليارات الدولارات، والتعاون النووي المحتمل، حسبما أفادت وكالة Bloomberg الأمريكية، الإثنين 5 يونيو/حزيران 2023.

وتعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع للسعودية، أحدث علامة على تحسن العلاقات، مع وجود تعاون يجري التحضير له على صعيد الأزمة في السودان والحرب في أوكرانيا، وفي مجال الفضاء.

وأعربت إدارة بايدن عن رغبتها القوية في إصلاح العلاقات مع الرياض، التي كانت قبل ذلك أحد أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، فيما يمثل تحولاً عن "الضغينة" التي كانت بين البلدين في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما قرر تحالف أوبك بلس للدول المصدرة للنفط -بقيادة السعودية وروسيا- خفض الإنتاج، ما تسبب في رفع أسعار النفط قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي، التي جسَّد التضخم فيها مشكلة أساسية، وفق "بلومبرغ".

لكن مع انخفاض أسعار النفط انخفاضاً حاداً منذ ذلك الحين، يبدو أن البلدين على طريق تجاوز الخلاف، حتى في ظل خطط السعودية الرامية إلى خفض الإمدادات في شهر يوليو/تموز المقبل، بمليون برميل يومياً. 

وتدل المؤشرات على أن عقود الدفاع والطيران الرئيسية، والحذر من خطوات الصين في الشرق الأوسط، والدفع من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، تحمل الآن أهمية أكبر بالنسبة لواشنطن.

في السياق، قال بوب مكنالي، رئيس شركة رابيدان إنرجي الأمريكية والمسؤول السابق في البيت الأبيض: "لا أعتقد أن إدارة بايدن تريد العودة إلى الحرب الكلامية المشهودة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسوف تحاول التقليل من شأن القرار"، وذلك في إشارة إلى خفض الإنتاج الأحدث، الذي لم يتسبب إلا في ارتفاع طفيف في أسعار النفط اليوم الإثنين 5 يونيو/حزيران.

وقد باتت على المحك بالنسبة للولايات المتحدة، طلبات شراء سعودية تقدر بـ265 مليار دولار من عمالقة الصناعات الدفاعية وصناعات الطيران الأمريكيين. إذ يقال إن شركة بوينغ تسعى للحصول على صفقة إضافية لبيع ما لا يقل عن 150 طائرة بوينغ 737 ماكس إلى شركة طيران الرياض الحكومية. كذلك توجد صفقة بقيمة 55 مليار دولار من الاستثمارات والتجارة بين البلدين.

تتضمن إشارات ذوبان الجليد بين السعودية والولايات المتحدة، المسؤولين من كلا الجانبين الذين يعملون معاً لإقناع الأطراف المتحاربة في السودان بعقد هدنة. 

وفي مايو/أيار الماضي، رحبت مارا كارلين، المسؤولة الكبيرة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة الجامعة العربية المنعقدة بالرياض. ودعت الحلفاء الآخرين إلى دعم جهود الدفاع التي تبذلها كييف ضد الغزو الروسي.

وفي الفضاء الخارجي، اصطحب أحد رواد الفضاء الأمريكيين الأكثر خبرة، رائدي فضاء سعوديين، من بينهما أول امرأة سعودية تضطلع بمثل هذه المهمة، إلى محطة الفضاء الدولية بعد نحو عام من التدريبات في الولايات المتحدة.

سفير جديد
من جانب آخر، عينت واشنطن مايكل راتني سفيراً لها بالرياض في مارس/آذار الماضي، ليكون أول سفير لها هناك منذ أكثر من عامين، في إشارة تدل على اعتزام وضع العلاقات السعودية الأمريكية على أساس جديد.

لكن الخلافات لا تزال قائمة، ويقال إن أكثر هذه الخلافات الشائكة يتعلق برغبة السعودية في امتلاك برنامج نووي مدني يتضمن تخصيب اليورانيوم داخل البلاد. 

وفقاً لعديد من المحللين الأمريكيين والسعوديين الذين ناقشوا المسألة مع المسؤولين السعوديين، فإن المملكة متأهبة للمضي قدماً حتى بدون مباركة الولايات المتحدة.

إذ إن الولايات المتحدة، التي تعمل منذ سنوات لاحتواء الأنشطة الذرية لإيران، ترى أن التخصيب يجسد تهديداً لأمنها القومي.

في السياق، قال المعلق والمؤلف السعودي علي الشهابي، الذي التقى مسؤولين سعوديين: "مُنحت أمريكا حق الرفض الأول"، على صعيد التعاون النووي. 

لكن الرياض تعقد أيضاً مفاوضات موازية، من ضمنها المفاوضات مع الروس والصينيين، الذين يساعدون السعودية في رسم خريطة لرواسب اليورانيوم، وذلك حسبما أوضح الشهابي.

يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من غزوات الصين في الشرق الأوسط، مع أن القيادة السعودية الحازمة والمستقلة على نحو متزايد، تنظر إلى الأمور نظرة مختلفة.

وقال خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، في الشهر الماضي: "إننا مرتبطون بالصين بطرق عدة".

وفقاً لتقديرات وكالة بلومبرغ، ترسل المملكة كميات من شحنات النفط إلى الصين أكبر مما ترسله إلى أي دولة أخرى، إذ وصلت المبيعات إلى نحو 4.5 مليارات دولار في أبريل/نيسان الماضي. ويعادل حجم التجارة بين السعودية والصين، حجمها بين المملكة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً.

إسرائيل وتخصيب اليورانيوم 
من أجل التصدي للصين، التقى جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، بالحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمد بن سلمان، في وقت مبكر من مايو/أيار الماضي، ودفع في اتجاه دمج السعودية في تحالفات جديدة ستتضمن الهند، وقد تتضمن إسرائيل.

وقالت السعودية علناً، إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة شرط مسبق للاعتراف بإسرائيل، فيما طالبت سراً بضمانات دفاعية وأمنية مؤكدة من الولايات المتحدة، والقدرة على الوصول إلى الأسلحة الأمريكية المتطورة، وضوء أخضر للمضي قدماً في البرنامج النووي، وضمن ذلك التخصيب المحلي، وذلك وفقاً لمحللين التقوا مسؤولين سعوديين بارزين.

في مقابلة عُقدت بعد لقائه بمسؤولين سعوديين في أبريل/نيسان الماضي، قال مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن تخصيب اليورانيوم "أولوية كبيرة لهم، لكنه القضية الأصعب على الإطلاق".

يريد السعوديون تصدير اليورانيوم المعالج إلى البلاد الأخرى، واستخدامه لتشغيل محطات الطاقة المحلية. وهم لا يرغبون في توقيع اتفاقية تشبه الاتفاقية التي توصلت إليها الإمارات، التي تعهدت فيها بالتخلي عن التخصيب وإعادة معالجته مقابل القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا، وذلك وفقاً لخمسة أشخاص ناقشوا المسألة مع المسؤولين السعوديين، بحسب بلومبرغ.

في مقابلة حديثة، قال براناي فادي، كبير المديرين في مجلس الأمن القومي الأمريكي للحد من التسلح: "لا نريد أن نرى انتشار التخصيب. تلك ستكون القضية دائماً".

وتقول كارين يونغ، كبيرة الباحثين بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إنّ تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والمخاوف التي لدى الولايات المتحدة حول تورط الصين في البرنامج النووي للمملكة، يدفعان واشنطن إلى إيجاد تسوية مع الرياض.

وأوضحت: "مثل كل شيء آخر، عندما تدخل الصين مفاوضات، تولي الولايات المتحدة مزيداً من الاهتمام".