النهار الاخبار يه وكالات
لا تزال ارتدادات ما باتت تعرف بـ"واقعة الموز” تتفاعل في تركيا، معمقةً الانقسام بين المواطنين الأتراك واللاجئين بشكل عام، وبين اللاجئين السوريين أنفسهم الذين انقسموا حول المسؤول عن تضخيم الأزمة التي باتت تهدد بترحيل عدد من المشاركين في الواقعة إلى شمال سوريا، وتنذر بحقبة جديدة لواقع السوريين في تركيا لا سيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتصاعد التجاذبات السياسية الداخلية.
وظهر الانقسام في تفسير وتقدير الموقف على مستويات مختلفة، حيث أدت الواقعة إلى زيادة الاحتقان العام بين اللاجئين السوريين والمواطنين الأتراك. وكما انقسم الأتراك في موقفهم اتجاه السوريين بين مهاجم لهم ومدافع عنهم، انقسم سوريون أيضاً في تأييد ورفض إجراءات الداخلية التركية الأخيرة المتمثلة في اعتقال المتهمين بالمشاركة في "تريند الموز” والتهديد بترحيلهم إلى شمالي سوريا.
انقسامات متشعبة
الارتدادات الأخطر كانت على واقع ومستقبل العلاقة بين اللاجئين والمواطنين، حيث خلفت الواقعة انطباعات سلبية غير مسبوقة بين الجانبين في ظل أجواء من الانتقادات الحادة والتحريض المتبادل والكتابات التي تحمل عبارات "كراهية” والتصرفات التي يمكن اعتبارها "عنصرية”، في أجواء متشنجة دفعت كثيرين للتحذير من مخاطرها على مستقبل التعايش بين الجانبين.
كما جددت الواقعة الجدل المعتاد بين معسكرين في المجتمع التركي يتفهم أحدهما ظروف اللاجئين السوريين، ويؤيد استمرار بقائهم وحمايتهم ومساعدتهم لحين انتهاء الحرب في بلادهم، وبين معسكر يحمّلهم مسؤولية الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وغيرها الكثير من المشاكل والصعوبات، ويدعوا لإعادتهم إلى بلادهم في أقرب وقت، حيث يدافع كل معسكر عن موقفه بوسوم يومية ومقاطع فيديو وحملات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أما الجديد، فهو الانقسام الذي بدأ يظهر بين اللاجئين السوريين أنفسهم، حيث انقسموا إلى معسكرين، أحدهما يدافع عن ناشري محتوى "واقعة الموز” ويعارض الإجراءات التركية بحقهم ويعتبر أن ما جرى تضييق على الحريات وانتهاك لحقوق اللاجئين، وبين معسكر آخر يبدي تأييداً لإجراءات الحكومة التركية ضد من اعتبروهم سبباً في إثارة غضب الشارع التركي ضدهم، في جدل يومي بات حديث اللاجئين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الأيام الأخيرة، وجّه لاجئون سوريون اتهامات حادة لبعضهم البعض على خلفية مواقفهم المتناقضة من إجراءات الحكومة التركية وخاصة التلويح بترحيل الموقوفين، حيث عبّر لاجئون بشكل علني عن تأييدهم لإجراءات الحكومة التركية "لتكون رادعاً لكل من يفتعل الفتنة ويسبب مشاكل بين اللاجئين والمواطنين”، وهو موقف لاقى غضباً عارماً من معسكر آخر من اللاجئين الذين اعتبروا هذه المواقف "مسيئة” و”اصطفاف مع الحكومة التركية ضد أبناء شعبهم”، محذرين من أن قبول مبدأ الترحيل يعني أنه سوف يتحول إلى "سيف مسلط على كافة اللاجئين”.
أزمة متصاعدة
تفجرت الأزمة عقب انتشار مقطع فيديو لناشر محتوى تركي كان يجري لقاءات مع مواطنين حول الأوضاع الاقتصادية حيث ظهر مواطنين أتراك وهم يُحملون اللاجئين السوريين مسؤولية الصعوبات الاقتصادية التي يمرون فيها، وقال مواطن تركي إنه بينما هو لا يستطيع شراء الموز بسبب الأوضاع الاقتصادية فإن اللاجئين السوريين يشترون الموز بـ”الكيلوغرامات”.
هذا المقطع الذي انتشر على نطاق واسع جداً في مواقع التواصل الاجتماعي، فجّر ردود فعل كبيرة بعدما قامت وسائل إعلام سورية بترجمته إلى اللغة العربية باعتباره مثالا على ممارسات وأحاديث "عنصرية” تستهدف اللاجئين السوريين في تركيا تصاعدت في الأشهر الأخيرة، ووصلت في بعض الأحيان إلى مواجهات محدودة بين مواطنين أتراك ولاجئين سوريين.
وفي سياق غير متوقع، تحول مقطع الفيديو إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر لاجئون سوريون يعيشون في تركيا ودول أخرى مقاطع فيديو تمثيلية جرى تركيب. صوت المواطن التركي عليها ونشرت على نطاق واسع، لاسيما عبر منصتي "إنستغرام” و”تيك توك”، وأمكن إحصاء مئات المقاطع التمثيلية وآلاف المنشورات التي نشرت لـ”السخرية” و”انتقاد” حديث المواطن التركي.
لكن مقاطع الفيديو التي كانت في أغلبها يظهر فيها لاجئون سوريون وهم يأكلون الموز، أخذت منحى آخر، بعدما اعتٌبر أن جزءا منها يحمل "إساءة” للشعب التركي وهو ما أعاد النقاش مجدداً إلى منصات التواصل الاجتماعي في تركيا التي نقلت عددا كبيرا من هذه المقاطع وترجمت محتواها للغة التركية، وأخذت القضية منحى أخطر، بعدما اعتبرت مقاطع بمثابة "إسارة للعلم التركي” وهو ما أشعل موجة كبيرة من الغضب والتعليقات الحادة في أجواء احتقان كبيرة.
أزمة الترحيل
وفيما يُعتقد أنه رضوخ لضغط الشارع، ومحاولة لتهدئة الغضب الذي تصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة بيانات متلاحقة عن حملة ملاحقات واعتقالات واسعة بحق "المتهمين” بنشر محتوى "كراهية” في "قضية الموز”، حيث أُعلن عن توقيف ما لا يقل عن 25 سورياً. وقالت البيانات الرسمية إن الإجراءات القانونية تجري بحقهم تمهيداً لترحيلهم خارج البلاد، وجرى بالفعل نقل عدد منهم إلى مراكز الهجرة في محافظات حدودية مع سوريا وسط خشية من ترحيلهم إلى الشمال السوري، لكنه لم يسجل حتى الاثنين ترحيل أياً منهم بعد.
وكان من أبرز الموقوفين، صحافي ساخر يعمل لصالح قناة أورينت السورية المعارضة، حيث أنتج مقطعا تمثيليا ساخرا يظهر فيه وهو يتخفى خلال شرائه وأكله الموز، وآخرون نشروا محتوى انقسم كثيرون في تصنيفه، وما إن كان "نقدا ساخرا” أم أنه تجاوز لذلك، ليعتبر "تحريض ومساس بالرموز”، لا سيما تلك المقاطع التي اعتبرت بمثابة "إهانة للعلم التركي”.
وبغض النظر عن التهم الموجهة للموقوفين، أجمعت مؤسسات حقوقية دولية ومحلية على رفضها لعقوبة الترحيل من تركيا إلى شمال سوريا. وعبّرت منظمات حقوقية دولية مختلفة عن خشيته على حياة اللاجئين السوريين في حال ترحيلهم إلى منطقة غير آمنة لا زالت تعاني ويلات الحرب، فيما عبرت منظمات عن خشيتها من أن يتعرض هؤلاء الأشخاص في حال ترحيلهم إلى خطر الموت من قبل النظام السوري أو منظمات مسلحة تنتشر في شمال البلاد.
وعبّر لاجئون سوريون عن خشيتهم من أن يتحول الترحيل إلى سلاح ضد كل من يتهم بارتكاب خطأ ما، وهو ما يعتبر بمثابة تهديد كبير لأشخاص يقيمون في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة”، في حين عبرت هيئات سورية عن تفاؤلها بإمكانية ألا تطبق الحكومة التركية تلويحها بترحيل النشطاء الموقوفين، باعتبار أن الحكومة ربما قامت بهذه الحملة لتهدئة غضب الشارع التركي بعد "واقعة الموز”، وبالتالي يمكن أن توقف إجراءات الترحيل في وقت لاحق عقب تراجع تداول القضية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومع الضغط المتزايد للمؤسسات الحقوقية وتدخل بعض الهيئات السورية والتركية باتجاه عدم ترحيلهم.