الجمعة 4 تشرين الأول 2024

وزير الخارجية القطري كأس العالم مجرد بداية..

النهار الاخبارية - وكالات 

أشاد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، المشاهد المبهجة للمشجعين المحتفلين في الدوحة، والأجواء الإقليمية السعيدة التي عزَّزها تنظيم كأس العالم في الشرق الأوسط، وإلى الإصلاحات الحقيقية التي دفعت بها قطر في مجال العمل على مدار العقد الماضي، وذلك تصريحات له في مقابلة مع صحيفة The Washington Post الأمريكية.

ونشرت "واشنطن بوست" نص التصريحات التي أجراها محرروها مع الوزير القطري، الخميس 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، وافتتحها بالسؤال عن شعور قطر بالوضع حالياً بعد افتتاح كأس العالم وسط ما وصفه بـ"الانتقادات والجدل الحاد".

"أكثر كؤوس العالم شمولاً"
أجاب آل ثاني بالقول: "نعتقد أنَّنا تعرَّضنا لشيء غير مسبوق. كانت بعض كؤوس العالم السابقة عُرضة للهجوم أو لم تلقَ إشادات كبيرة. لكن هذا الوضع، ولاسيما بالنظر إلى الفترة السابقة منذ منح قطر استضافة كأس العالم في 2010، وأيضاً هذا الموقف والسلوك من بعض وسائل الإعلام تجاه قطر؛ كان سلبياً للغاية ومُخيِّباً من وجهة نظرنا. كانت تحاول إصدار أحكام على قطر غير مستندة إلى الحقائق أو مستندة إلى القدوم إلى هنا والتثبُّت من الحقائق".

أضاف: "نعتقد أنَّ هذه هي أكثر كؤوس العالم شمولاً. فهنالك الكثير من الناس من بلدان مختلفة ومن خلفيات متنوعة تمكَّنوا من المجيء والاستمتاع بكأس العالم. إذا نظرتم إلى تركيبة المشجعين، ستجدون مشجعين هنوداً، ومشجعين من باكستان، ومن جنوب شرق آسيا، ومن الشرق الأقصى، ومن المنطقة العربية، ومن أوروبا، ومن أمريكا اللاتينية، ومن آسيا الوسطى. جميعهم أتوا إلى هنا ويستمتعون بكرة القدم".
نسخة 2022 من كأس العالم في قطر /Shutterstock
2022 من كأس العالم في قطر 
وتابع: "فكِّروا في الطابع الفريد لهذه البطولة في بلد صغير جداً بحجم ولاية كونيتيكت الأمريكية. بإمكان الناس الذهاب وحضور أربع مباريات في يوم واحد. وجعل هذا كأس العالم في متناول الكثيرين ممَّن لم يحلموا يوماً بحضور مباريات كرة القدم، ناهيكم عن حضور عدة مباريات.

وأردف: "بصراحة، كانت الطريقة التي استمتعت بها الجماهير بهذه البطولة هي أفضل مكافأة لنا في قطر. إنَّنا نرى، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو في بعض وسائل الإعلام التي تحاول النشر بحيادية، معظم الزائرين يحظون بتجربة إيجابية للغاية".

كما أشار بالقول: "أنا متأكد من أنَّه قد تكون هنالك بعض الملاحظات السلبية هنا أو هناك. لكنَّ معظمهم يتحدثون عن مدى كرم ضيافة هذا البلد وشعبه وكم هو شعب طيب. وهذا أمر نفتخر به. نريد أن نُظهِر للعالم أنَّ البلدان العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، ليست معنية فقط بالحروب والصراعات. إنَّها معنية أيضاً بالاحتفالات والاحتفال بهذه اللعبة الجميلة".

المزاعم حول حقوق العمال في قطر 
في سياق متصل، توجه الصحفي بسؤال الوزير القطري عما لو كانت الدوحة تقر "بالمخاوف التي تساور الكثيرين خارج قطر بشأن حقوق العمال والانتهاكات التي ربما تحيط بكأس العالم، ليرد آل ثاني بالقول: "لم نزعم مطلقاً أنَّ بلدنا مثالي ولم نزعم مطلقاً أنَّ أوضاع العمالة الوافدة مثالية. وبمجرد أن جرى تسليط الضوء على هذه المخاوف، أقرَّت قطر بها وأخذتها على محمل الجد".

وأكد أن "كل الإصلاحات التي اضطلعت بها قطر طوال السنوات الـ12 الماضية قد طُبِّقَت. لقد صُوِّر الأمر بطريقة يبدو معها وكأنَّ قطر تتجاهل حقيقة وجود مشكلة، وهذا مغاير للواقع".

وتابع: "في الواقع، جلبنا منذ السنوات الثماني الماضية مجموعة من المحامين المستقلين لفحص وضع العمل لدينا وتحديد الفجوات والثغرات لنا، سواء في تشريعاتنا أو في النظام الذي نتّبعه هنا. وقد أخذنا التقرير على محمل الجد. حصلنا على 120 توصية آنذاك. جرى التعامل مع الكثير من التوصيات في بلدان المصدر للعمالة الوافدة. وكان جزءٌ منها مسؤولية حكومة قطر.

لقد فتحنا أبوابنا أمام المنظمات الدولية غير الحكومية. لا يوجد بلد في المنطقة يتبنَّى سياسة الباب المفتوح مثلما تفعل قطر. بإمكان منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" المجيء إلى هنا ونشر تقاريرها. ولا يمكنها فعل ذلك في بعض الأماكن الأخرى.

لقد قدَّمنا مثالاً في هذه المنطقة، وقُدنا التغيير وقُدنا الإصلاحات. لكن للأسف، على الرغم من ذلك، كانت بعض المنظمات الدولية غير الحكومية ووسائل الإعلام تحاول فقط مهاجمة قطر دون الاعتراف بكل هذه التطويرات التي حدثت أو تقديرها. 

إنَّه لإنجازٌ أن يتغيَّر نظام حكومي في 10 سنوات. لم تتغيَّر أوروبا في 10 سنوات. الولايات المتحدة لم تتغيَّر في 10 سنوات. لكنَّنا سرَّعنا هذه التغييرات. ونحن أيضاً ممتنون لكأس العالم الذي ساعدنا في تسريع أشكال التغيير هذه.

لكنَّ المنتقدين كانوا يشيرون دوماً إلى الحكومات ومسؤولية والحكومة. ولم يشيروا قط إلى الشركات. إن وقعت مشكلة في أوروبا بخصوص استغلال العمالة الوافدة، كانوا سيلقون باللائمة على الشركة المعنية، وليس على الحكومة".

وفيات العمالة الوافدة
من جانب آخر، كان أحد أسئلة الصحفي بواشنطن بوست حول حصيلة وفيات العمالة الوافدة، ليجيب الوزير القطري بالقول:

"إذا ألقيتم نظرة على إحصائياتنا، ستجدون معدلات الوفيات تُنشَر بصورة سنوية. وهي على أساس الجنسية. لا نقوم بالتصنيف على أساس الوظيفة. لكنَّ هذا هو التصنيف الذي لطالما استخدمناه. وهذه لجنة أُنشِئَت فقط قبل سنوات قليلة. لا يمكن أن نتوقع منها أن يكون لديها خبرة وتنشر كل شيء بكل التفاصيل. هذه رحلة تتطلَّب وقتاً.

تنشر اللجنة العليا للمشروعات والإرث بياناتها. وفي ما يتعلَّق بالعمال الذين توفوا في مواقع كأس العالم، ستُعتَبَر حالة وفاة واحدة كثيرة جداً. لكن طوال كامل فترة التحضير لكأس العالم كانت هناك ثلاث حالات وفاة. وهذا هو ما قيل وجرى تكراره العديد من المرات.

لكنَّ منتقدينا لا يريدون الإنصات للجانب الآخر. هذه مشكلتنا. هنالك إصرار على مهاجمة البلد وحسب".

"قطر ترحب بالجميع"
وحول "الشمول" في كأس العالم الذي تستضيفه قطر، لفت الصحفي إلى "الكثير من التساؤلات بشأن قدرة أفراد مجتمع المثليين ومن يدعمهم على المشاركة في هذا التجمع العالمي"، ليؤكد آل ثاني بالقول:

"قلنا مراراً وتكراراً "مرحباً بالجميع". ما كنا نطلبه هو أن يأتي الزائر الذي يزورنا إلى هنا للاستمتاع بكرة القدم، والتركيز على كرة القدم، والاستمتاع بثقافتنا، والاستمتاع بالبلد وكرم الضيافة في البلد. فقط أن يحترموا القانون، وهو أمر يُنتظَر من القطريين فعله حين يسافرون إلى البلدان الأخرى. احترموا قوانيننا وتقاليدنا.


كنا واضحين للغاية؛ خلفية مَن يأتون ليست من  شأننا. شأننا… هو كل ما يؤثر على السلامة العامة أو يحاول بأي وسيلة الإساءة إلى العامة. هذا غير مقبول. وينطبق هذا على شريكين من مجتمع الميم أو على رجل وامرأة. وهو أمر غير مُوجَّه أو يستهدف توجهاً أو آخر بعينه. لطالما قلنا إنَّ إظهار العاطفة في الأماكن المفتوحة ليس مسموحاً في قطر. وهذا ينطبق على الجميع".

لكن الصحفي تساءل عن سبب إيقاف من يحملون أعلام "قوس قزح" في الملاعب، فأجاب الوزير القطري أن "أياً كان ما يجري في أرض الملعب، فهو يتعلَّق بقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وليس قطر. وأياً كان ما يجري خارج الملعب، فهو يتعلَّق بقواعدنا".

"كأس العالم مجرد بداية"
ولدى سؤاله عن ماذا سيكون إرث بطولة كأس العالم هذه بالنسبة لقطر والمنطقة؟ أجاب آل ثاني بأن "كأس العالم مجرد بداية. هو ليس نهاية القصة. أولاً وقبل كل شيء، أنجزنا شيئاً تاريخياً بأن جمعنا كل أولئك الناس القادمين إلى هنا وحظوا بتجربة في الشرق الأوسط". 

أضاف: "نحن متأكدون بنسبة 100% من أنَّ ذلك سيساعد كثيراً في تغيير نظرة الكثيرين حول العالم للمنطقة. ثانياً، كل هذه البنية التحتية كانت قطر قد خطَّطت لها حتى قبل ملف استضافة البطولة، كجزء من رؤيتنا الوطنية 2030. وساعد كأس العالم في تسريع هذا الأمر وتحقيقه وإنجازه. وستستمر في خدمة رؤيتنا نحو التنويع الاقتصادي ومواصلة ازدهار قطاعنا السياحي".

التضامن العربي مع تفوق المغرب
من جانب آخر، تساءل الصحفي بواشنطن بوست عما لو تفاجأ الوزير القطري بالتضامن العربي الظاهر في قطر وفي أنحاء المنطقة دعماً للمغرب على وجه التحديد في ظل مشاركتها التاريخية؟، ليجيبه آل الثاني بأن "هذا أمر يجعلنا فخورين للغاية، أن تتمكَّن قطر، ذلك البلد الصغير، من إعادة جمع كل العرب".

أضاف: "هذا هو جمال وسحر اللعبة نفسها، كيف أنَّها تجمع الناس من خلفيات متنوعة، العرب وغير العرب، الكل ومن أي مكان، معاً. لا يمكنكم أبداً رؤية هذا يحدث في الغرب، لكنَّكم ترونه يحدث هنا؛ لأنَّ هناك قاسماً مشتركاً يجمعنا جميعاً، فنحن نؤمن بأنَّنا جميعاً ننتمي إلى بعضنا البعض".

وأكد بالقول: "ما رأيتموه هنا في قطر، الطريقة التي اندمج بها الناس والمشجعون معاً، إنَّه بالفعل شيء مذهل ولا أظن أنَّنا رأيناه من قبل قط، وربما لن نتمكَّن من رؤيته ثانية أبداً".

هل كأس العالم نقطة تحول لقطر؟
على صعيد آخر، كان أحد محاور المقابلة المطولة حول اللقاء الذي جمع أمير قطر بقادة السعودية ومصر والإمارات على هامش البطولة، حيث تساءل الصحفي فيما لو كان كأس العالم نقطة تحول لقطر بعد المقاطعة والحصار الطويلين اللذين شهدتهما من جانب بعض الجيران؟

أجاب الوزير القطري: "بالنظر إلى الأزمة التي مررنا بها، نعتقد أنَّ ما ينبغي أن يجمعنا أكثر أهمية بكثير مما يمكن أن يُفرِّقنا. نؤمن بوحدة مجلس التعاون الخليجي. لا يعني هذا أنَّنا سنتفق على كل شيء. لدينا خلافات. لكن دعونا نبني على ما لدينا كهدف مشترك. 

لا يمكننا استعادة كل شيء. نعلم أنَّ الأمر سيستغرق وقتاً. لكنَّنا نرى استعداداً من القيادة لإعادة العلاقات إلى ما يجب أن تكون عليه.

ندرك أيضاً أنَّنا مرتبطون، بالرغم من الاختلافات في بعض السياسات، وندرك أنَّه من الأفضل أن نرتقي بأنفسنا فوق خلافاتنا، وأن نُركِّز على التحديات الآتية. فنحن نرى عالماً يسوده الاستقطاب. ونرى تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا. ونرى تأثير جائحة كوفيد. 

ونرى أنَّ كل تلك الأزمات الدائرة حولنا تؤثر علينا إمَّا بشكل مباشر أو غير مباشر. وإن لم نعمل معاً لبناء أنظمتنا المتكاملة ومرونتنا المتكاملة، لن نتمكَّن أبداً من تجاوز هذه التحديات".

"دعونا نعمل معاً"!
وختم الصحفي المقابلة متسائلاً: "هنالك تصور بأنَّ جزءاً من الدافع وراء الخلاف هو الخط المستقل لقطر في السياسة الخارجية ودعمها على مدى السنوات لفاعلين بعينهم، لا سيما أحزاب الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين.. هل هذا تصور عادل؟".

ليرد الوزير القطري بالقول: "النصف الأول من هذا التصور هو الحقيقة: نتفق بشأن بعض السياسات ونختلف بشأن أخرى بالنظر إلى تقييماتنا وتقييمهم. ما كنا نقوله هو أنَّها مهما كان الذي نتفق عليه، دعونا نعمل معاً، ومهما كان الذي نختلف عليه، دعونا نتفق على أنَّنا نختلف. ونحن نحترم هذا الاختلاف.

لكنْ هناك تصور خاطئ، وهو النصف الثاني من السؤال، بأنَّ قطر تختار فاعلين في المنطقة لتدافع عن شيء ما. لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لقطر قط. لا ننحاز إلى طرف الإسلام السياسي أو الأطراف الليبرالية ضد الأطراف العلمانية. هذا ليس من شأننا.. نحن دولة، ولسنا حزباً سياسياً.

ربما اتخذنا بعض الخطوات وبعض السياسات حين بدأ الربيع العربي لدعم عناصر الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية في مناطق من العالم العربي عام 2011. لكنَّ تلك الخطوات لم تُتَّخَذ إلا بعدما رأينا شعوب تلك الدول إمَّا يتعرَّضون للقصف أو يقعون ضحايا للمذابح.. حينها تحركنا بصورة جماعية، ربما ليس في إطار مجلس التعاون الخليجي، لكن مع بلدان أخرى.