السبت 30 تشرين الثاني 2024

هل دخلت السعودية وإيران في مفاوضات مشتركة؟

فيما لم تؤكد السعودية أو إيران إجراء مفاوضات مباشرة بين البلدين بشأن الخلافات القائمة بينهما، تتردد الأخبار عن لقاءات تحتضنها بغداد بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، وذكرت تقارير أن المسؤولين الذين جمعتهم العاصمة العراقية خلال الفترة الماضية يعتزمون عقد مزيد من المحادثات المباشرة هذا الشهر، لكن لم يتحدد بعد موعد لها، وذلك بهدف تهدئة حدة التوتر بين البلدين لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وقال مسؤول شرق أوسطي لوكالة "رويترز" إن "اجتماع أبريل (نيسان) كان بنّاءً للغاية، نوقشت خلاله قضايا عدة، بينها أزمة اليمن والاتفاق النووي".
وأضاف "قد تجري محادثات إضافية قبل نهاية الشهر، لكن التوقيت يعتمد على التقدم في محادثات فيينا"، فيما توقّع مصدر آخر للوكالة أن "يشهد أواخر أبريل أو أوائل مايو (أيار) اجتماعاً آخر".
وتأتي المحادثات بينما تواصل الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين القوى العالمية وإيران، الذي انسحبت منه واشنطن قبل نحو ثلاث سنوات وعارضته الرياض لعدم معالجته برنامج طهران للصواريخ الباليستية وتصرفات إيران الإقليمية.
اليمن ملف رئيس
وقالت ثلاثة مصادر تحدثت معهم "رويترز"، إن التركيز الأساسي كان على اليمن حيث يقاتل تحالف بقيادة السعودية ميليشيات الحوثي، التي صعّدت هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ على أراضيها.
وصرّح المسؤول الإقليمي أن الجانب الإيراني "وعد باستخدام نفوذ طهران لوقف هجمات الحوثيين على السعودية، وطلب في المقابل أن تدعم الرياض المحادثات النووية، وهو ما أكده مصدر آخر مطلع على الأمر".
وقال مصدران إقليميان آخران إن الاجتماع تطرق أيضاً إلى قضية لبنان، حيث تشعر الرياض بالقلق إزاء النفوذ المتزايد لـ"حزب الله" المدعوم من إيران.
وأوضح الدبلوماسي "لا أعتقد أن من المحتمل أن يبرما اتفاقاً في الوقت الحالي"، مضيفاً أن الهدف على الأرجح هو منع أي عمل قد يتسبب في اشتعال التوتر".

إيران لا تنفي
ونقلت وكالة الإيرانية الرسمية للأنباء عن السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، قوله "ندعم وساطة بغداد لتقريب طهران من دول واجهنا معها تحديات أو تشهد علاقاتنا فتوراً، وتم إبلاغ مسؤولين عراقيين بذلك".
وقال مسجدي رداً على سؤال حول تحقيق أي تقدم في المحادثات "لم نتوصل بعد لنتائج واضحة وتقدم مهم، دعونا ننتظر حتى يمضي العمل قدماً، ويمكننا بعدها أن نرى نتائج عملية".
وكان سعيد خطيب زادة، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قد علّق على الأخبار بالترحيب، عقب سنوات من رفض الإدارة في طهران التفاوض مع جيرانها.

وقال المسؤول الدبلوماسي عن موقف بلاده الجديد إن "أية خطوة نحو الحوار مرحب بها"، من دون أن يؤكد أو ينفي اللقاء المزعوم.
وعلى الرغم من ترحيب طهران، إلا أن متحدث خارجيتها لم يعلق على صحة التقارير التي أوردتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، والتي قالت إن ثمة "لقاء سرياً جمع مسؤولين سعوديين وإيرانيين في بغداد في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي".
وكانت الصحيفة نقلت عن مصادر لم تسمّها، أن هذه المباحثات كانت "إيجابية"، وتجري بتسهيل من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
السعودية تشترط "تعديل السلوك"
ووصفت الصحيفة البريطانية الاجتماع بأنه "أول لقاء محادثات سياسية مهمة بين البلدين" منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما مطلع العام 2016، وأفادت الصحيفة أن "النزاع في اليمن شكّل أحد البنود الرئيسة في المحادثات".
ورداً على سؤال في شأن ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، خلال مؤتمر صحافي، "لا نعلق على تقارير صحافية متناقضة". مضيفاً، "نحن أيضاً رأينا هذه التقارير الصحافية المنشورة، وبالطبع تم نشر تصريحات مختلفة في هذه التقارير التي غالباً ما تكون متناقضة".
وتابع، "ما يهم هو أن إيران لطالما رحبت بإجراء محادثات مع السعودية، وتعتبر أن ذلك سيكون في مصلحة شعبي البلدين والسلام الإقليمي والاستقرار"، مشدداً على أن هذه المقاربة الإيرانية "لا تزال مستمرة".
ولم تعلق الرياض بعد على صحة التقارير أو تورد رداً حول حديث الوزير الإيراني، لكن مسؤولاً سعودياً نقلت عنه صحيفة "عرب نيوز" نفيه بالأمس أية محادثات مع الإيرانيين.
لكن الرياض تشترط تغييراً في سلوك طهران حتى تقبل بالتفاوض معها، كما ورد في تصريح سابق لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عندما قال "نريد من إيران وقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وسلوكها العدواني، وعند استعدادها لذلك فإن الأبواب ستفتح ليس للتقارب فحسب، بل حتى للشراكة".
وأضاف في حواره الذي بثته شبكة "سي إن إن"، "إذا كانت إيران على استعداد لمعاملة دول المنطقة باحترام ومحاولة تعزيز نفوذها من خلال القنوات الطبيعية والنشاط بين الدول، فأعتقد أنه شيء يمكننا أن نأمله ونود رؤيته، لأنه في النهاية إيران جزء من المنطقة وستبقى جزءاً منها".
"الحوار ممكن مع طهران"
وفي مارس (آذار) الماضي، تحدث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لشبكة "سي إن إن" عن فرص إطلاق حوار بين بلاده وطهران، حين أجاب على سؤال حول مدى واقعية جلوس الرياض وطهران إلى طاولة واحدة بالقول، "أعتقد أن هذا الأمر واقعي تماماً".
وقال الوزير السعودي إنه "إذا كانت إيران تريد إطلاق حوار معنا فإنه أمر جيد، لكننا نعتقد أنه يجب أن يجري هذا الحوار ضمن المشاورات في شأن خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة ببرنامج إيران النووي، وقد يساعد ذلك لاحقاً في تخفيف مخاوفنا إلى حد كبير".
وأضاف، "لا يمكن أن يكون هناك تقارب من دون معالجة التهديدات الإيرانية في المنطقة وسلوكها العدواني الخطير للاستقرار والأمن الإقليميين، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، إضافة إلى الأنشطة داخل دول المنطقة (بما في ذلك السعودية) بتزويد الإرهابيين بمعدات صنع القنابل وأشياء من هذا القبيل"، إلا أن طهران نفت في أكثر من مناسبة أي علاقة لها بالميليشيات أو العمليات المسلحة التي تتعرض لها السعودية وعدد من الدول العربية رغم إصرار الأخيرة على اتهامها دائماً بالوقوف خلفها.

لغة الترحيب بالجلوس إلى طاولة المفاوضات كانت سبقت تقارير "فايننشال تايمز" البريطانية ومصادرها، ففي شهر مارس (آذار) الماضي، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن خطيب زادة قوله إن "منطقتنا الآن بحاجة الى حوار ووضع ترتيبات جديدة شاملة أكثر من أي وقت مضى".
وتعد الجمهورية وجارتها العربية أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الإقليمية ومن أبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة المعترف بها دولياً، وتتهم طهران بدعم الميليشيات الحوثية التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال البلاد أبرزها العاصمة صنعاء.
وكانت الأزمة الدبلوماسية التي اتسمت لعقود طويلة "بالاحتقان" زادت بشكل أكبر في يناير (كانون الثاني) 2016، حين قطعت الرياض علاقاتها مع طهران إثر هجوم على سفارتها في العاصمة الإيرانية وقنصليتها في مشهد، نفذه محتجون على إعدام السعودية نمر النمر بسبب تهم تتعلق "بالإرهاب والفتنة الطائفية".