بعد إثارة أردوغان ملف جرائم فرنسا في الجزائر، وضرورة الاعتراف بها والتعويض عنها، ردت باريس بالكشف عن تقرير لاستخباراتها يفضح "لقاءات رسمية جرت بين ممثلين عن السلطات التركية ومسؤولين بحركة (رشاد) التي تسعى الجزائر لتصنيفها ضمن الحركات الإرهابية".
وقالت وثيقة للاستخبارات الفرنسية، وفق ما ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إن اجتماعات رسمية جمعت في مناسبتين ممثلين عن الحكومة التركية بعناصر من حركة "رشاد"، بمدينتي إسطنبول وأنطاليا بتركيا، حيث تمحورت اللقاءات حول توفير الدعم اللوجيستي والسياسي، بهدف تقوية التنظيم وتمكينه من الشارع الجزائري الذي يشهد "سخونة"، مشيرة إلى أن ما حدث فوق الأراضي التركية انتهى إلى علم السلطات الجزائرية. وأضافت أن الأتراك حرصوا على تأمين اتصالات لقيادات حركة "رشاد" الجزائرية مع معارضين إسلاميين من دول عربية أخرى.
وبحسب مركز "غلوبال ووتش أناليز" الفرنسي للدراسات الجيوسياسية، مقره باريس، فإن الهدف من تلك الزيارات السرية إلى تركيا هو جمع الأموال لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة مقرها لندن، أو إسطنبول، لتعزيز خطاب حركة "رشاد"، بما يعمل على استقطاب الشارع الجزائري.
استغراب وتجاذبات
وأثار التقرير الفرنسي استغراب المتابعين، بسبب العلاقات "القوية" التي تربط الجزائر وتركيا، والحيوية التي يعرفها خط الجزائر - أنقرة، غير أن أطرافاً علقت على الموضوع بأنه يندرج في سياق معركة كسر العظام المستمرة بين فرنسا وتركيا.
وفي السياق، يقول الأمين العام لحزب حركة النهضة الإسلامي، يزيد بن عائشة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه "لم نطلع على الموضوع ومدى صدقية الخبر، بالتالي فإننا بقدر ما نرفض أي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي للدول، فإننا لا نلقي التهم على أي كان دون أدلة". وشدد على أن العلاقات الفرنسية - التركية ليست على ما يرام، وبينهما تجاذبات، رافضاً التجاوب مع باقي أسئلتنا.
صراع على الثروات
من جانبه، يرى القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني مراد بياتور، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر كانت دوماً دولة محل أطماع العديد من القوى العالمية، وهذا راجع إلى الثروات التي تزخر بها البلاد. وقال إنه كلما ضعف نظام الحكم ازدادت هذه الأطماع بروزاً بهدف بلوغ امتيازات والحصول على حصص من الثروات، وذلك يكون حتماً مقابل مساندة السلطة ومساعدتها على البقاء، مشيراً إلى أن التدخلات المتكررة في الشأن الداخلي للبلاد من قبل فرنسا، وكذا المحاولات التركية للعب دور وقلب الموازين لصالحها، كله يصب في الاتجاه ذاته.
ويتابع بياتور، أن الاستنجاد بالمساندة الخارجية هو أحد الأمراض التي تنخر الدول الاستبدادية، فعوض الاستجابة لمطالب شعوبها وتحقيق الديمقراطية ومنح الحرية والكف عن المضايقات وتحرير المجال السياسي والإعلامي، تذهب للبحث عن الوصاية من قبل قوى أجنبية، لحمايتها والدفاع عنها أمام المجتمع الدولي وتبييض صورتها في المشهد العالمي، بهدف ربح معركة الرأي العام، وختم بأنه للقضاء على كل أنواع التبعية والتدخلات الخارجية هناك حل واحد، يتمثل في إرساء الديمقراطية التي تنبثق على أساسها سلطة شرعية تتمتع بالمشروعية الشعبية، وتحدث القطيعة مع التعيينات بإيعاز خارجي.
لا رد رسمياً
وعلى الرغم من خطورة ما جاء به التقرير على اعتبار أن السلطات الجزائرية تعتبر حركة "رشاد" مصدر تشويش على الأمن والاستقرار في البلاد، وهي التي تسعى إلى اختراق الحراك الشعبي من أجل توجيهه نحو الفوضى، فإنه حتى كتابة هذه الأسطر لم يصدر أي بيان من العاصمتين الجزائر وأنقرة، كما لم ترد حركة "رشاد" بشكل رسمي، على الرغم من محاولتنا الحصول على تصريح حول الموضوع.
في المقابل، رد سفير الجزائر لدى تركيا، مراد عجابي، على ما تردد في شأن خلافات دبلوماسية بين الجزائر وأنقرة، وقال في تصريح إعلامي، إن العلاقات الحالية بين الدولتين رائعة، في انتظار زيارات من أجل تعزيزها أكثر. وشدد على أن الجزائر هي الشريك التجاري الثاني لتركيا في أفريقيا، وتحتل تركيا المرتبة الأولى بين الدول الأكثر استثماراً في الجزائر.
وسجل الرئيس تبون خلال ترؤسه اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن، وفق ما جاء في بيان للرئاسة، "أعمالاً تحريضية وانحرافات خطيرة من قبل أوساط انفصالية وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب تستغل المسيرات الأسبوعية"، مؤكداً أن "الدولة لن تتسامح مع هذه الانحرافات التي لا تمت بصلة للديمقراطية وحقوق الإنسان"، وأمر "بالتطبيق الفوري والصارم للقانون، ووضع حد لهذه النشاطات غير البريئة والتجاوزات غير المسبوقة، خصوصاً تجاه مؤسسات الدولة ورموزها التي تحاول عرقلة المسار الديمقراطي والتنموي في الجزائر".