الخميس 3 تشرين الأول 2024

مديونيات قناة السويس أكثر من نصف إيراداتها..


النهار الاخبارية - وكالات 

خلقت الموافقة المبدئية على التعديلات التي أقرها البرلمان المصري، يوم الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، على بعض أحكام قانون نظام هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975، حالة من الجدل داخل مصر.

واتهم الرافضون لهذه التعديلات الحكومة بالتورط في اتخاذ إجراء يستهدف تأجير أو بيع أحد أبرز وأهم المرافق الحيوية المصرية التاريخية العامة، وهي قناة السويس لجهات خارجية.

ويقضي التعديل بإنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس، بغرض المساهمة بمفرده- أو مع الغير- في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

بالتزامن مع ذلك تُعاني مصر من أزمة اقتصادية طاحنة، وتراجع مستمر في قيمة العملة المحلية، وتزايد معدلات الديون الخارجية، التي تحاول الحكومة الحالية توفير جزء من قيمتها عبر الاتجاه نحو بيع الأصول.

بشكل مفاجئ وسريع.. توجيهات رئاسية بإنشاء الصندوق
يحاول كل من البرلمان المصري والحكومة وهيئة قناة السويس التخفيف من حدة الانتقادات حول تعديل قانون القناة، وساقوا مبررات لم تُقنع الرأي العام، الذي رفض أي خطوات تستهدف بيع أصول الشركات أو المرافق العامة لجهات خارجية.

نائب برلماني، فضَّل عدم ذكر اسمه، كشف لـ"عربي بوست"، أن التحركات الأخيرة التي بدأت بتشكيل لجنة لدراسة التعديلات وسرعة الموافقة عليها من جانب الأغلبية التابعة لحزب "مستقبل وطن"، جاءت بتوجيهات رئاسية مباشرة.

وأضاف البرلماني، الذي هو على صلة بملف تقديم تعديلات القانون الذي يحمل رقم "30 لسنة  1975 الخاص بنظام قناة السويس"، أن مخطط إنشاء الصندوق ناقشه الرئيس عبد الفتاح السيسي سابقاً مع هيئة القناة والحكومة في أكثر من اجتماع.

وقال المصدر نفسه إن تعديلات القانون واجهت اعتراض نواب محسوبين على الحكومة، طالبوا بمزيد من النقاش حولها قبل إقرارها بشكل مبدئي، لكنهم في الأخير نفذوا التعليمات.

تمرير هذه التعديلات، حسب المتحدث، هدفه إرسال إشارات بأن أصول القناة ستتاح للاستثمار من جانب جهات اقتصادية خليجية توسعت في مشروعات تطوير الموانئ المصرية، ولديها حضور قوي ضمن مشروعات الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.

وأشار المصدر ذاته إلى أن أخطر ما في التعديلات، التي شملت مادة واحدة فقط لكنها قامت بتفريعها إلى تسعة بنود، هو أنها سمحت للصندوق المنتظر إنشاؤه، بشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصول هيئة قناة السويس الثابتة.

وسيُساهم هذا الصندوق، حسب المتحدث، في تأسيس شركات تتبع الهيئة وزيادة رؤوس أموالها، وهو ما يفتح الباب أمام دخول أطراف خارجية والسيطرة على أجزاء من الهيئة وأصولها الراسخة.


من سيستفيد من قناة السويس غير مصر؟
تواجه الحكومة المصرية ضغوطات تمارَس عليها من الدول التي حصلت منها على قروض تتراوح بين 26 و28 مليار دولار، ومن المفترض أن تسددها خلال العام المقبل، وهو رقم يصعب توفيره في غضون أشهر إلا ببيع أكبر قدر من الأصول وبشكل سريع.

ويأتي عامل الضغط الثاني بحسب المصدر ذاته، من جانب دول الخليج التي تتنافس للحصول على الأصول المالية والعقارية والتاريخية لمصر، وتطاردها للحصول على جزء من عوائد خدماتها التي تقدمها للاقتصاد المصري.

لدى المتحدث قناعة بأن هذه الضغوط أخطر ما تتعرض له مصر في الوقت الحالي، لأن من يملك الأصول قد يتحكم في القرار السياسي، في حين أن المصريين ليست لديهم القدرة على إبداء آرائهم فيما يحدث في ممتلكاتهم العامة.

أما عن عامل الضغط الثالث وفقاً للمصدر نفسه، فيأتي من صندوق النقد الدولي، الذي وافق مؤخراً على منح مصر حزمة مساعدات مالية حجمها 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً.

وأرجع صندوق النقد أسباب منحه القرض، إلى "عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف، لسداد التمويل الإضافي الذي ستحصل عليه مصر من الشركاء الإقليميين وقيمته بـ14 مليار دولار".

وأودعت دول الخليج 13 مليار دولار على الأقل لدى البنك المركزي المصري منذ مطلع العام الجاري؛ لدعم الاقتصاد المصري، مما يرفع إجمالي الودائع الخليجية إلى 28 مليار دولار، وفقاً لـ"رويترز".

وخلال الأشهر الماضية انسحبت مصر من بعض القطاعات وعوَّضتها بالقطاع الخاص وصناديق استثمارية خليجية؛ وذلك لإقناع صندوق النقد بالموافقة على منحها القرض الأخير بعد انتقادات وُجهت إليها بأنها تتدخل في النشاط الاقتصادي.

دولار القناة لتسديد القروض
كشف مصدر مسؤول بإدارة إحدى شركات هيئة قناة السويس، لـ"عربي بوست"، أن هناك قفزة في إيرادات قناة السويس خلال الأعوام العشرين الماضية، لكن المشكلة أن مصروفات الهيئة وصلت لأكثر من نصف إيراداتها عكس السابق.

وأضاف المصدر، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، أن الهيئة لكي تفي بالتزاماتها للشركات الأجنبية العاملة في مشروع تفريعة القناة الجديدة وشراء معدات جديدة، حصلت سنة 2015 على قرض بنحو 1.4 مليار دولار.

هذا القرض حسب المتحدث، حصلت عليه من تحالف يضم 8 بنوك حكومية وأجنبية عاملة في السوق المصري (الأهلي- مصر- التجاري الدولي- والعربي الإفريقي- القاهرة- الإمارات دبي الوطني- المشرق- العربي).

وكان من المفترض سداد القرض على أقساط نصف سنوية لمدة 5 سنوات، يعني 300 مليون دولار كل سنة بفائدة متراكمة 50% تقريياً لخمس سنوات، ليكون المبلغ المسدد في نهايتها 1.5 مليار جنيه، يقول المصدر نفسه.

وكشف المتحدث أن الهيئة تعثرت عن سداد 3 أقساط نصف سنوية من القرض في 2017 و2018، مما راكم مديونيتها وبعدما كانت قناة السويس مصدراً للعملة أصبحت تستهلك العملة في سداد قروض بالدولار.

يضيف المصدر أن بعض شركات الهيئة أخذت قروضاً بضمان هيئة قناة السويس، ولأن هذه الشركات خاسرة تتحمل القناة مسؤولية سداد القروض، مما ساهم أيضاً في زيادة المصروفات وانخفاض الايرادات.

وتضم الهيئة قناة السويس 7 شركات وهي: شركة التمساح لبناء السفن، وشركة القناة للموانئ والمشروعات الكبرى، وشركة القناة لرباط وأنوار السفن، وشركة القناة للإنشاءات البحرية، وشركة القناة للحبال ومنتجات الألياف، وشركة ترسانة السويس البحرية.

السيسي يُبرر
تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشكل علني عن تأسيس صندوق هيئة قناة السويس خلال المؤتمر الاقتصادي المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 2022، مؤكداً ضرورة وجود "ملاءة مالية ضخمة لهذا الصرح العملاق".

وأضاف السيسي أن "الهيئة اعتادت أن تُوجّه دخلها إلى الموازنة العامة (وزارة المالية) فقط"، موضحاً أنه سأل الفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، عما تملكه الهيئة في ذلك الوقت من أموال، فأجاب: "لا يوجد".

وأشار الرئيس خلال حديثه، إلى أنه أبدى استغرابه من عدم وجود صندوق عملاق على هذا النحو، موضحاً أنه "أبلغ رئيس الهيئة بإنشاء صندوق إيرادات مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء إلا بالعودة إليه".

وساقت الحكومة المصرية العديد من المبررات التي تخدم السياق نفسه الذي تحدث فيه الرئيس، إذ أشارت على لسان وزير المجالس النيابية، المستشار علاء فؤاد، إلى أن "الصندوق لن يبيع القناة، إنما سيُنميها ويُحصل إيرادات ينفقها على القناة".

وبررت الحكومة خطوتها بأن المادة 43 من الدستور تلزم الدولة بحماية قناة ‏السويس وتنميتها ‏والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما ألزمتها بتنمية قطاع القناة، باعتباره ‏مركزاً ‏اقتصادياً متميزاً.‏

وهو نفس فحوى ما قدمه رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي، الذي أكد أن مشروع القانون المقدم من الحكومة "لا يتضمن أي أحكام تمس القناة أو تسعى لبيعها".

وأضاف جبالي في بيان، أن " البيع أو الاستئجار أو الاستثمار بصندوق القناة يتوافق مع طبيعة الصناديق ولا يمس بأي شكل من القناة نفسها، وأن قناة السويس مال عام لا يمكن التفريط فيه".

لماذا تم تمرير التعديلات بسرعة؟
وفي المقابل أكد مسؤول سابق في وزارة النقل بقطاع النقل البحري، لـ"عربي بوست"، أن قانون هيئة قناة السويس مستقر منذ ما يقرب من أربعين عاماً، وليس هناك أي مُبرر لإدخال تعديلات جديدة على القانون في الوقت الحالي.

وقال المتحدث إن هذا القانون يؤطر الأعمال الاستثمارية، والإنشاءات، والشركات التي تملكها هيئة قناة السويس، وظهور تعديلات بشكل مفاجئ دون نقاش، يبرهن على أن هناك نية لتمريرها بالطريقة التي تريدها الحكومة لتحقيق أهداف بعينها.

ويضيف أن تقديم الحكومة تعديلات على قوانين مُفعلة يكون دائماً عبر إضافة أو حذف مواد، لكن تجزئة مادة واحدة إلى 9 بنود، تشير إلى أنها وضعت قانوناً جديداً يمس أبرز هيئة اقتصادية وطنية.

هذا التغيير حسب المتحدث حدث دون إجراء أي حوارات أو تمهيد مسبق، وهو أمر مستغرب ويبعث بإشارات على أن الحكومة لن تمانع أيضاً تجزئة قناة السويس وبيع أصولها، طالما لم تضع قيمتها الوطنية والسياسية في إطارها السليم.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المبررات التي ساقتها الحكومة والبرلمان والهيئة غير مقنعة تماماً، لأن توجيه فوائض الهيئة للصندوق المنتظر إنشاؤه يشكل خصماً من موازنة الدولة التي تعاني بالأساس.

كما أن هيئة قناة السويس، حسب المتحدث، تقوم باستقطاع رواتب موظفيها، ولديها مخصصات للشركات والمشروعات التي تملكها، ولديها رأس مال تصرف منه على أي عمليات تطوير مستمرة، وليس هناك مبرر حقيقي لإنشاء الصندوق أو خصم جزء من عوائدها.

تقسيم عائدات قناة السويس 
فضلاً عن أن هناك منطقة اقتصادية لقناة السويس، وهي كيان مستقل له قانونه الخاص وموارده، يرى مصدر "عربي بوست" أنه ليس من المنطقي تقسيم القناة إلى ثلاث هيئات (الهيئة، المنطقة، الصندوق)، وإن كان ذلك تحت قانونين منظمين فقط.

وإضافة إلى تعارض منتظر بين الهيئات الثلاث، يرى المصدر نفسه أن الحكومة ستتكبد مزيداً من الخسائر، لأن العوائد ستُقسم، كما أن البرلمان لن يراقب الصندوق الجديد وسيكتفي بمراجعة التقارير بحسب القوانين المنظمة لعمل الصناديق الخاصة.

وأضاف المتحدث أن هدف البيع أو التأجير يبقى حاضراً بقوة، لأن هناك مؤسسة مستحدثة ستتم إضافتها إلى جانب هيئة قناة السويس للتصرف في ملكيتها الأصلية، إذا كان القانون الحالي لم يسمح للهيئة بالبيع أو التأجير فإن التعديلات تمنح الصندوق القيام بذلك.

وبدون الصندوق المتوقع إنشاؤه في حال مرر البرلمان القانون بشكل نهائي ووقَّع عليه رئيس الجمهورية، فإن القناة استطاعت أن تجابه مجموعة من الأزمات التاريخية التي قابلتها وآخرها مشكلة جنوح "سفينة إيفرغرين" في مارس/آذار من العام الماضي.

كما أن حالة الشلل التي أصابت الملاحة الدولية في أثناء جائحة كورونا وتوقف سلاسل الإمداد لم يؤثرا سلباً على القناة واستطاعت أن تتجاوز مشكلاتها دون أن تكلف ميزانية الحكومة.

رئيس الهيئة يبرر
وأوضح رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في معرض دفاعه عن القانون الجديد، أن "الهيئة لا تمتلك أي أموال، بسبب قيامها بإرسال كل عوائدها إلى موازنة الدولة، ولذلك تم إعداد صندوق لقناة السويس يتم تمويله من الفائض".

وأشار المتحدث إلى أن الصندوق من حقه التصرف في أصول الصندوق غير المتعلقة بأصول هيئة قناة السويس، ويتولى إنشاء مشاريع ضخمة مثل إنتاج الوقود الأخضر، وبناء السفن.

تصريح رئيس هيئة قناة السويس يُشكك فيه البرلمانيون المعارضون، الذين يرون أن هناك جهات ستستفيد من عوائد الهيئة، وأنها لن تذهب بشكل كامل إلى الموازنة العامة، في ظل ضعف الأدوات الرقابية على مسار صرفها.

ووفق أرقام رسمية فإن عوائد القناة العام الماضي بلغت 6 مليارات دولار، وارتفعت العام الجاري، إلى 7 مليارات و932 مليون دولار، فيما تتوقع الحكومة المصرية تحقيق أكثر من 8 مليارات دولار من القناة العام المقبل.

قيادي حزبي معارض قال إن الأزمة أكبر من مجرد قانون جديد فاجأت به الحكومة الرأي العام، لأنه في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية تبقى هناك شكوك عديدة حول أي توجهات من شأنها بيع الأصول أو خصخصة القطاعات الحكومية أو مقايضة الديون الخارجية المتفاقمة بالأصول الثابتة، تحديداً وأنه لا أحد يعلم كيف تتصرف الحكومة فيما يقع في إطار الملكية العامة.

وأضاف المتحدث الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، أن الحكومة لم تفكر في طرح أسهم قناة السويس للمصريين، لكنها تتجه لبيع الأصول إلى دول خليجية وفي الأغلب يكون ذلك دون تقييم عادل.

وحسب المتحدث فإنه بهذا الوضع، وبين ليلة وضحاها، يعرف المصريون أن جزءاً من تاريخهم قد أصبح ملكاً لقوى أجنبية سواء كانت عربية أو غير عربية، ما يُضاعف من حدة الرفض الحالي للقانون الذي وصفه بـ"المشبوه".

رفض حزبي
بعد الإعلان عن إنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس بموجب تشريع حكومي، حذَّرت أحزاب سياسية مصرية من تداعيات خصخصة قناة السويس وبيع أصولها، باعتبار أن التعديل القانوني يتيح إمكانية مبادلة ديون الدولة بأسهم قناة السويس.

وقال بيان لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الثلاثاء، إن "الشعب المصري فوجئ بالإعلان عن موافقة مجلس النواب على تعديل قانون نظام هيئة قناة السويس، بعد أيام من اتفاق لم تُعلن بنوده مع صندوق النقد الدولي".

وجاء في البيان الحزبي أن "التعديل في قانون هيئة القناة يهدف إلى إنشاء صندوق خاص للهيئة يجري تمويله من إيراداتها، وفائض أرباحها، بغرض واحد هو بيع أصولها".

وأضاف البيان: "بذلك تمتد أيادي السلطة الحاكمة على قناة السويس نفسها، وهو أمر كان لا يمكن أن يتخيله أغلب المصريين، وإن كان مُهد له بصدور وثيقة ملكية أصول الدولة مؤخراً".

ومع ذلك وحسب البيان، فإن "توقيت ظهور تعديل القانون، وتأسيس هذا الصندوق الذي يخصخص قناة السويس عملياً، تزامنا مع توقيع الحكومة اتفاقاً مع صندوق النقد، وإحاطة اجتماعه بالسرية الكاملة خلافاً لكل التقاليد المتبعة في اجتماعات الصندوق مع الحكومات، بما يثير شبهات كبيرة حول شروطه".