الإثنين 30 أيلول 2024

لماذا لن تنجح الإمارات في سياستها الجديدة “التوازن” أو “التهدئة” في ظل التحديات العالمية؟

النهار الاخبارية - وكالات 

غيرت دولة الإمارات سياستها القائمة على التدخل في الصراعات الإقليمية إلى سياسة "تصفير المشكلات"؛ من خلال إقامة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، فما احتمالات نجاح هذا التوجه الجديد في ظل التحديات العالمية المتزايدة في عالم متعدد الأقطاب؟

موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تحليلاً عنوانه "التوترات الإقليمية المتصاعدة تسلط الضوء على توازن عمل الإمارات"، رصد كيف يسمح تعدد الأقطاب المتزايد في العالم لدولة الإمارات بالعمل على كلا الطرفين في نزاعات عديدة، ومدى فرص نجاح استدامة هذا النهج، في ظل التحديات المرتبطة بذلك التحول.

فمن خلال تعميق علاقاتها مع إسرائيل على وجه الخصوص، تمكَّنت الإمارات من تفادي الضغط الأمريكي الذي تواجهه أبوظبي بهدف فك الارتباط مع إيران وروسيا ودول أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى عزلها. إلا أنه في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وكل من إيران والفلسطينيين، قد تواجه جهود أبوظبي للسير في مسار وسطي تحديات متزايدة وصعبة للغاية.

علاقات الإمارات مع إيران وإسرائيل
ففي الأسبوع الماضي، بدا أن إدارة بايدن تدعم بشكل صريح سلوك المواجهة الإسرائيلي المتزايد ضد إيران، وهو موقف من المرجح أن يزيد من مخاطر نشوب حرب بين الخصمين الإقليميين.

فالحرب الخفية بين إسرائيل وإيران بدأت تتخذ أبعاداً أكثر علنية، خصوصاً أن الفشل في إعادة الاتفاق النووي واستمرار طهران في تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة تقترب من العتبة النووية، كلها عوامل تزيد من مخاطر اندلاع مواجهة عسكرية بين الخصمين، وهو ما يمثل تحدياً حقيقياً لأبو ظبي الساعية إلى الحفاظ على علاقات جيدة معهما.

وفي غضون ذلك، شجعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة، حيث نفذوا عشرات الهجمات ضد الفلسطينيين، كان آخرها في نابلس وحولها. ورغم الاجتماع الطارئ الذي عُقد بوساطة أمريكية في مطلع الأسبوع في الأردن، والذي وافقت فيه إسرائيل والسلطة الفلسطينية على تهدئة الأزمة المستمرة، أعلن نتنياهو بعد ذلك أن توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية سيستمر بلا هوادة.

وعلى الرغم من الاحتفاء الرسمي بنتائج اجتماع العقبة، إلا أنه قد أثيرت تساؤلات جادة حول فرص نجاح تلك "التفاهمات" في نزع فتيل التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، كما تأمل أطراف القمة، وخاصة الولايات المتحدة. ففي أعقاب ما يسمى بقمة العقبة، التي عُقدت الأحد 26 فبراير/شباط في ضيافة الأردن وبحضور ممثلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر وأمريكا، صدر بيان مشترك تعهَّد من خلاله مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون بالعمل على وقف "العنف المتصاعد".

وكان اجتماع العقبة هو الأول من نوعه منذ سنوات، وحضره مسؤولون أمريكيون وأردنيون ومصريون كبار، بالإضافة إلى وفود إسرائيلية وفلسطينية. وبحسب منظميه، فإن الاجتماع يهدف إلى إعطاء الأمل للفلسطينيين في مستقبل سياسي، "إذا حقق أهدافه.. فسينعكس ذلك على الأرض".

ويضع هذا التصعيد في التوترات بين إسرائيل وكل من إيران والفلسطينيين، الإمارات، التي جددت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران مؤخراً وظهورها على أنها نصيرة لحقوق الفلسطينيين، في موقف يزداد صعوبة.

فإذا ما اندلع الصراع بين إيران وإسرائيل، قد تجد الإمارات والقاعدة العسكرية الأمريكية التي تستضيفها نفسيهما في مرمى الأسلحة دقيقة التوجيه لطهران. في الوقت نفسه وفي سياق تصاعد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فإن قيادة دولة الإمارات التي برزت في الانخراط في علاقات أوثق مع الدولة اليهودية على مدى السنوات العديدة الماضية قد تصبح مشكلة على الصعيدين المحلي والعالمي حيث لا يزال الرأي العام معادياً للتطبيع مع إسرائيل.

هل يمكن المحافظة على علاقات جيدة مع جميع الأطراف؟
ومع ذلك، يبدو أن أبوظبي مصممة، على الأقل في الوقت الحالي، على الحفاظ على العلاقات مع كل من تل أبيب وطهران، وكذلك مع موسكو وبكين وواشنطن. في ظل قيادة الرئيس محمد بن زايد آل نهيان، ألزمت الإمارات نفسها بسياسة "صفر مشكلات" على الصعيد الخارجي، وتعطي هذه السياسة الأولوية للدبلوماسية والتجارة على المواجهة.

وفي مقال رأي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، استخدم وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان شعار "السلام والتعافي والازدهار" لوصف السياسة الخارجية الحالية للبلاد.

كانت الإمارات قد استضافت قمة إقليمية عنوانها "الازدهار والاستقرار في المنطقة"، بحضور زعماء قطر والبحرين وعُمان ومصر والأردن، لكن غابت عنها السعودية، وكتب الأكاديمي الإماراتي المقرب من السلطة، عبد الخالق عبد الله، تغريدة قال فيها: "لقاء قمة في أبوظبي غداً لقادة دول الاعتدال العربي التي تشكل 40% من الإجماع العربي. مليون أهلاً وسهلاً بضيوف الإمارات".

وكان موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، قد نشر تقريراً حول القمة، قال فيه إن الإمارات تستهدف من خلال القمة التشاورية بصورة أساسية، مناقشة الأوضاع الاقتصادية في مصر والأردن، والمخاوف المرتبطة بها على الاستقرار الداخلي في كلا البلدين؛ حيث تأتي مصر والأردن في مقدمة دول المنطقة الأكثر تضرراً اقتصادياً.

ويعاني كلا البلدين من تحديات اقتصادية معقدة يصاحبها تزايد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، وهو الأمر الذي قد ينعكس على الاستقرار في المنطقة، خاصة في حالة مصر التي تنظر إليها الإمارات باعتبارها حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي، إلى جانب كونها بمثابة سوق كبير للاستثمارات الإماراتية.

أما بشأن العلاقات مع إيران، فبعد ست سنوات دون اتصال دبلوماسي رسمي، أعادت الإمارات سفيرها إلى طهران قبل ستة أشهر فقط. وقال أنور قرقاش، كبير المستشارين الدبلوماسيين لمحمد بن زايد، إن قرار إعادة السفير إلى طهران يتماشى مع سياسة الإمارات المتمثلة في السعي لتحقيق السلام وتعزيز العلاقات الخارجية ومتابعة مسارها الخاص، بغض النظر عن الضغوط الخارجية. وأكد ماجد الرئيسي، المحلل السياسي الإماراتي وخبير الاتصالات الاستراتيجية، باستمرار أن الإمارات ستسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية ولن تخضع للضغوط الغربية. 

تقود العلاقات التجارية والاقتصادية الأخرى مع إيران الكثير من حسابات الإمارات. وكما كتب عبد الخالق عبد الله، وهو مواطن إماراتي وزميل أول في مبادرة الشرق الأوسط في مركز بلفر في كلية هارفارد كينيدي، الصيف الماضي، فإن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإيران، والتوقيع المحتمل لاتفاق نووي، وبشكل أعم التقليل من التوترات الإقليمية، "من المتوقع أن تؤدي جميعها إلى زيادة حجم التجارة بين الإمارات وإيران إلى أكثر من 20 مليار دولار سنوياً".

ما فرص نجاح سياسة الإمارات "صفر مشكلات"؟
سياسة التواصل الإقليمي هذه، والتي شملت أيضاً تركيا وقطر، هي نهج جديد إلى حد ما بالنسبة لدولة الإمارات. ففي العقد الذي تلا الربيع العربي، غالباً ما تدخلت أبوظبي بشكل مباشر -إما من خلال مواردها المالية الكبيرة وإما من خلال نشر قواتها- لإحباط الانتفاضات الديمقراطية ومنع الجهات الإسلامية الفاعلة من الاستيلاء على السلطة أو السيطرة عليها. وكان صعود الحكومات الإسلامية في مصر وتونس مصدر قلق خاص للإمارات؛ مما أدى إلى تصعيد المخاوف الإماراتية من أن الإسلاميين داخل حدودها سوف يتشجعون.

وبالمثل، أرسلت الإمارات قوات إلى البحرين لمساعدة حكومتها في قمع الانتفاضات هناك في عام 2011، ودعمت الإمارات أيضاً الحملة العسكرية الفاشلة لزعيم الحرب خليفة حفتر 2019-2020 للاستيلاء على ليبيا من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. وأرسلت أبوظبي كذلك قوات مرتزقة إلى اليمن لمحاربة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

ويعكس تركيز الإمارات في الآونة الأخيرة على إعادة بناء العلاقات مع خصوم سابقين بناء على تهديدات متصورة، تغييراً واضحاً في رؤية محمد بن زايد، الذي خلص إلى أن توسيع التجارة يوفر ربحاً أكثر من شن الحرب، وذلك رغم المخاوف الأمريكية بشأن بعض الشركاء التجاريين لدولة الإمارات.

في الشهر الماضي فقط، زار كبار مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية أبوظبي لتحذير المسؤولين الإماراتيين من مساعدة إيران وروسيا على التهرب أو تحدي عقوبات واشنطن ضد البلدين.

وعلى وجه التحديد، استهدفت واشنطن شركتي نقل جوي مقرهما الإمارات لتعاونهما مع شركة إيرانية خاضعة للعقوبات؛ من خلال نقل طائرات مسيَّرة وموظفين إيرانيين من إيران إلى روسيا. وبحسب ما ورد، كانت الإمارات تعمل أيضاً كوسيط للطائرات الصينية المسيَّرة التي تُشحَن إلى روسيا لنشرها في أوكرانيا.

لم يكن لدى الإمارات أي مخاوف بشأن العمل مع روسيا حين يخدم ذلك مصالحها. عقد محمد بن زايد وبوتين اجتماعات ثنائية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، كجزء من استراتيجية دولة الإمارات إبقاء جميع السبل مفتوحة مع الشركاء المحتملين. وحتى قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، كانت موسكو تتهرب من العقوبات الغربية باستخدام سوق الذهب في دبي لتبادل الدولار واليورو.

ومع ذلك لا يمكن للولايات المتحدة أن تشتكي جهراً، بالنظر إلى استعداد الإمارات لتولي زمام المبادرة في تطبيع العلاقات الوثيقة مع إسرائيل وتطويرها بموجب اتفاقيات أبراهام لعام 2020.

إذ سلطت مذكرة وزعتها السفارة الإماراتية في واشنطن في أبريل/نيسان 2022 الضوء على تجارتها البالغة 6.5 مليار دولار مع إسرائيل، والاتفاقيات الجديدة للتعاون الثنائي في مجال الطاقة والذكاء الاصطناعي، وتعاونها مع إسرائيل في "المساعدات الإنسانية".

وتعمل الإمارات والموقعون الآخرون على اتفاقيات أبراهام في الوقت الحالي على توسيع نطاق اتفاقياتهم مع إسرائيل لتشمل الأمن السيبراني من أجل "معالجة التهديدات المشتركة، بما في ذلك استهداف الدولة للبنية التحتية الحيوية وهجمات برامج الفدية واسعة النطاق". ويبدو في هذا السياق أن اتفاقيات أبراهام قد خدمت المصالح الإماراتية بشكل جيد حتى الآن.

تؤكد دولة الإمارات أنها تسعى إلى إقامة صداقة مع جميع الدول، مع السعي وراء مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، ومن المرجح أن يصبح سلوك الإمارات في دعم السياسات الأمريكية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى إحباطها، أكثر شيوعاً في السياق الجيوسياسي للتعددية القطبية. في هذه الأثناء، مع تصاعد العداء من القدس إلى طهران إلى موسكو، يبقى أن نرى إلى أي مدى ستقدر الإمارات على الالتزام بسياسة "صفر مشكلات" الخارجية الخاصة بها.