تحولت المخاوف من عودة التعقيد إلى المشهد الليبي إلى حقيقة ملموسة بعد أشهر من المؤشرات الإيجابية بشأن توافقات أطراف النزاع السياسي والعسكري حول حل نهائي لأزمة البلاد يقود إلى انتخابات عامة تفرز سلطات دائمة وموحدة، جاء ذلك بعد منع رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة من الهبوط في أحد المطارات الواقعة تحت سيطرة سلطات شرق البلاد للمرة الثانية خلال أيام قليلة، وتلويحه باشتعال الحرب من جديد إذا تكررت هذه الأحداث.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي تؤشر على تزايد التوتر السياسي المتواصل منذ أسابيع بين الأطراف الأساسية في المشهد الليبي، شرق البلاد وغربها، وتعزز برفض القوات العسكرية في الغرب فتح الطريق الساحلي رغم اتفاق اللجنة العسكرية على ذلك، واضعة شروطاً قبل تنفيذ هذا النقطة المفصلية في اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، الموقع في جنيف نهاية العام الماضي.
منع الدبيبة من دخول مطار سرت
قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إنه "منع مع الوفد المرافق له من دخول سرت عبر المطار، بسبب وجود مسلحين أجانب فيه"، محذراً ممن سماها "أطرافاً تريد إشعال الفتنة"، في حادثة هي الثانية من نوعها التي يواجه فيه منعاً مماثلاً، بعد عرقلة زيارة له برفقة وفد حكومي في مطار بنغازي، قبل أيام قليلة.
وقال الدبيبة في مقطع فيديو، إنه "لم يتمكن من دخول مطار سرت بسبب وجود من سماهم المرتزقة الأجانب"، معتبراً أن "سيادة ليبيا على المحك، ولا أحد يحق له منع حكومته من دخول أي مطار موجود على أراض ليبية".
وشدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية على "ضرورة خروج المرتزقة من ليبيا لتحقيق المصالحة الوطنية"، محذراً من "محاولات إشعال الحرب مجدداً في البلاد".
كما حذر في الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء في مجلس النواب وأعيان منطقة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس، ممن سماهم "تجار الحروب"، قائلاً إن "هناك أناساً جمعت ثروات ضخمة من هذه الحرب اللعينة".
تعثر فتح الطريق الساحلي
وفي سياق التصعيد المستمر بين أطراف الأزمة الليبية، تعثرت جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 لفتح الطريق الساحلي الرابط بين سرت ومصراتة، على الرغم من الأنباء الإيجابية عن حدوث انفراجة في الأيام الماضية، لكن هذه الآمال تبددت بإعلان آمر غرفة عمليات سرت الجفرة، التابعة لرئاسة أركان المنطقة الغربية، إبراهيم بيت المال، أنه "لن يفتح الطريق الساحلي حتى يتم إخراج المرتزقة الداعمين لحفتر ورجوع قواته العسكرية باتجاه الشرق"، بحسب وصفه.
ووضع بيت المال شروطاً لفتح الطريق الرابط بين شرق ليبيا وغربها، بينها في بيان له قائلاً، "وضعنا ثلاثة شروط لفتح الطريق الساحلي، وهي وقف إطلاق النار وإزالة الألغام وسحب المرتزقة، ونطالب الأمم المتحدة بتطبيق الإجراءات المتفق عليها، وألا تكتفي بإصدار البيانات المكتوبة".
وكانت اللجنة العسكرية شددت في بيان ختامي، عقب اجتماعاتها التي استمرت يومين في سرت، على "سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، تنفيذاً لما جاء في قرار مجلس الأمن الأخير بشأن ليبيا".
ولمحت اللجنة في بيانها لوجود أطراف تعمل على عرقلة فتح الطريق الساحلي، مهددةً بأنها "إذا لم تفتح الطريق قريباً، سيتم ذكر المعرقلين بالاسم وأسباب قيامهم بذلك".
الجيش ينفي وجود خلافات
من جانبه، نفى مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش الوطني الليبي، اللواء خالد المحجوب، وجود خلافات بين طرفي اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وأكد أن "الاتفاق موجود، لكن هناك من يعرقله على الأرض، وهم معروفون بالأسماء، والفرصة الأخيرة متاحة أمامهم للالتزام بمخرجات اللجنة وتغيير موقفهم".
تحذيرات دولية ومحلية من المساس بموعد الانتخابات في ليبيا
ونوه في تصريحات تلفزيونية إلى أنه "تم التنسيق مع السلطة التنفيذية ومع وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، بخصوص إجلاء قواعد القوات الأجنبية، وتشكيل القوة المشتركة وهي خطوة مهمة جداً لتنفيذ كافة نصوص اتفاق وقف إطلاق النار". وتابع "كل هذه الأمور تم التوافق عليها، بعد الاتفاق التاريخي في مجلس الأمن بين الدول ذات الصلة حول هذه النقاط، ونواجه فقط عرقلة من قبل مجموعات مسلحة، وللأسف هذه مشكلة ليبيا، ومربط الفرس في أزمتها".
المشري وكوبيتش يبحثان المستجدات
التعقيد المستمر في محاولات فتح الطريق الساحلي كان محوراً أساسياً في المباحثات التي كان طرفاها رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيتش، حيث أكدا بحسب مصادر إعلامية تابعة لهما "ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة فتح الطريق الساحلي، لتخفيف المعاناة عن المواطنين".
وأعرب كوبيتش خلال اللقاء عن "مخاوفه من انعكاسات الأوضاع التي تحدث في الدول المجاورة على الأمن في ليبيا، وتزايد أنشطة الجماعات المسلحة نتيجة الوضع الأمني في دول الجوار بمحاذاة الجنوب الليبي".
بينما شدد المشري، بحسب المكتب الإعلامي التابع له، على "إخراج كافة المرتزقة والقوات الخارجة عن القانون، قبل الحديث عن أي اتفاقات عسكرية مبرمة سابقاً"، كما دعا إلى إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور قبل عقد الانتخابات، مشيراً إلى "إمكانية عقد الاستفتاء خلال المدة المقبلة"، وحث رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السايح وأعضاؤها على" تجنب الحديث عن السياسة لأنهم جهات محايدة"، وخلص إلى أن "مجلس الدولة الذي يرأسه يعمل مع مجلس النواب على الوصول إلى أرضية مشتركة يتوافق عليها الجميع فيما يتعلق بالمناصب السيادية".
الانتهاء من القاعدة الدستورية
اقتراح المشري الذي تدعمه عدة أطراف سياسية في العاصمة الليبية، بشأن الاستفتاء على مشروع الدستور قبل إجراء الانتخابات، لم يجد صدى له داخل أروقة اللجنة القانونية التي تعمل على القاعدة الدستورية، بحسب تصريحات أدلت بها الزهراء لنقي، عضو لجنة الحوار السياسي، أعلنت فيها "الانتهاء من الصياغة النهائية للقاعدة الدستورية اللازمة للانتخابات الوطنية الرئاسية والبرلمانية من قبل اللجنة القانونية".
وأوضحت "لنقي" في إيجاز صحافي، أن "ما تم التوافق عليه وإنجازه هو مقترح لتعديل الإعلان الدستوري قائم على تأجيل الاستفتاء لحين انتخاب السلطة التشريعية المقبلة، وقاعدة دستورية تنظم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية". وأضافت أنه "تم إحالة مسألة انتخاب الرئيس لملتقى الحوار السياسي، مع مقترح القاعدة الدستورية التي تضم تصورين للانتخاب المباشر وغير المباشر للرئيس".
وتابعت، "ليس واضحا ًحتى الآن كيفية الموافقة على القاعدة من قبل الملتقى، بأي آلية وبأي نصاب، وأمامنا شهران لإنجاز التشريعات اللازمة للانتخابات ( قانوني الانتخابات البرلمانية والرئاسية وقانون توزيع الدوائر الانتخابية وقانون الأحزاب)". ودعت "مجلس النواب للقيام بواجبه الوطني في إقرار القاعدة الدستورية والتشريعات اللازمة، والمجتمع المدني والشارع لليقظة والتوعية وعدم التفريط في حقهم في المشاركة الفاعلة في تجديد الشرعية السياسية".