النهارالاخباريه – وكالات
طبعت أهم الأحداث التي عرفتها الجزائر خلال عام 2023 عدة علامات فارقة، ففي الوقت الذي واصلت القطيعة مع الجار الغربي شرعت في حلحلة أزمتها مع إسبانيا، بالمقابل شهدت توجهاً قوياً نحو العمق الأفريقي بعد نكسة "بريكس"، التي كانت مفاجأة غير متوقعة لأكبر المتشائمين في الجزائر.
"عربي بوست" رصد بالتفصيل في هذا التقرير أهم الأحداث التي شهدتها الجزائر خلال سنة 2023، سواء كانت اقتصادية، أم سياسية أم دبلوماسية
الجزائر 2023.. خيبة البريكس
وُضع غياب الجزائر عن "بريكس" في خانة المفاجآت غير السارة للجزائريين، الذين تكهّنوا بأن يكون بلدهم عضواً جديداً في هذا التكتل الاقتصادي المهم، لا سيما أنه يخدم توجه البلاد الدبلوماسي التقليدي في العلاقات الخارجية التي تربطها مع دول العالم
والبريكس هو تجمع اقتصادي كان يضم 6 دولاً عند تأسيسه وهي: البرازيل، وروسيا، والهند والصين، وجنوب أفريقيا، وانضمت له سنة 2023 كل من السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران .
ورغم الدعم الكبير من موسكو وبكين، وبدرجة أقل من جوهانسبرغ فإن التكتل الذي يضم روسيا، والصين، والهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل لم يدعم انضمام الجزائر
ويرى متابعون للشأن الاقتصادي أن التوزيع الجغرافي للجزائر أثر بشكل لافت على قرار المجموعة في هذا الخصوص، خاصةً أن المؤشرات الاقتصادية لبعض الدول المنضمة لهذا التكتل أقل بكثير من مقدرات الجزائر، سواء من حيث الثروات الطبيعية أو الواقع المالي البعيد جداً عن المديونية
وفي أبريل/نيسان الماضي، توقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عدم انضمام بلاده لبريكس نظراً للنمو البطيء للاقتصاد جراء آثار تراجع أسعار النفط خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، والحصار الذي تسبّب به وباء "كورونا" على الاقتصاد العالمي
وتأتي هذه التصريحات قبل الزيارات التي قام بها الرئيس تبون إلى روسيا والصين، اللتين رحّبتا بانضمام الجزائر إلى هذه المجموعة التي أُنشئت عام 2009 من 5 دول، وذلك بغية ضمان مصالحها الاقتصادية التي تسهم بنسب كبيرة من نمو الاقتصاد العالمي
وأسهمت الجزائر في بنك "بريكس" بمساهمة أولى قدرها 1.5 مليار دولار، كخطوة لطلب للانضمام لهذه الهيئة التي تخلص هذا البلد من التبعية إلى البنك الدولي، الذي رهن مقدرات البلد إبان العشرية السوداء وانهيار الاقتصاد الجزائري جراء الأزمة الداخلية وتراجع أسعار النفط
وفي السياق ذاته عملت الجزائر على الدفع في اتجاه البعد الأفريقي، لتجسد ذلك في تقوية المبادلات المالية من خلال تدشين بنكين جزائريين، في سبتمبر/أيلول الماضي، في موريتانيا والسنغال، فيما سيتم تدشين بنك آخر بكوت ديفوار قبل نهاية السنة الجارية، ناهيك عن مشروع الغاز الرابط بين نيجيريا والجزائر
كما عززت توجهها أفريقيّاً بضخ مليار دولار لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، من أجل التضامن والتنمية، لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية. وأوضحت أن رؤية الجزائر ترتكز على إعطاء الأولوية للبعد التنموي كمحور جوهري ضمن أي خطة تهدف لتثبيت معالم السلم والاستقرار في القارة.
تعيش العلاقات الجزائرية الإسبانية حالةً من التعافي، بعد إعادة الجزائر لسفيرها بإسبانيا، إذ وافقت الحكومة الإسبانية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على تعيين عبد الفتاح دغموم سفيراً فوق العادة ومفوضاً للجزائر لدى المملكة الإسبانية.
وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توترات بعد إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دعم المقترح المغربي، القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراء الغربية.
وأوضح الرئيس الجزائري في لقاء خاص مع قناة الجزيرة القطرية، إمكانية تغيّر موقف الجزائر من إسبانيا في حالة تغير موقف الحكومة الإسبانية.
واعتبر الرئيس الجزائري أن القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار وفقاً للوائح الدولية، مستشهداً بموقف الجزائر الرافض للاستيلاء على أراضي الصحراء الغربية بعدما اقترحت حكومة فرانكو الأمر على الرئيس أحمد بن بلة في 1964.
ووسط هذا جاء تصريح بيدرو سانشيز، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر/أيلول الماضي، عندما قال بخصوص نزاع الصحراء إن بلاده "تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً للطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن".
ولم يشر سانشيز إلى تأييده السابق للحكم الذاتي المغربي، ما جعل الجزائر تعتبر تصريحاته إشارة إيجابية لتبدأ العلاقات بين البلدين مرحلة التعافي.
وفي خضم الأزمة التي عرفها البلدان، عرفت الجزائر تعزيزاً لعلاقاتها الثنائية مع إيطاليا، حيث وقعتا 5 مذكرات "شراكة وتعاون" في عدة قطاعات، أولها توقيع شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" ومجموعة الطاقة الإيطالية "إيني" على مذكرتي تعاون تخصان تعزيز قدرات نقل الغاز، والثانية بالحد من انبعاث الغازات المحترقة من خلال حلول تكنولوجية.
من جهته، وقّع مجلس التجديد الجزائري مذكرة تعاون وشراكة مع اتحاد الصناعة الإيطالي "كونفيندوستريا"، كما تم توقيع مذكرة تعاون بين وكالتي الفضاء في البلدين موجهة للأنشطة السلمية، وآخرها إعلان مشترك بمناسبة الذكرى الـ20 لتوقيع معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين البلدين.
كما جسدت الجزائر توسيع علاقاتها الخارجية من خلال تعزيزها مع الطرف التركي، تجلت في توقيع عدة اتفاقيات، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حجم الاستثمارات التركية في الجزائر بلغ 6 مليارات دولار مع استهداف بلوغها 10 مليارات دلار في أقرب الآجال.
القطيعة مع المغرب متواصلة
لمدة تجاوزت السنتين تتواصل القطيعة الكاملة بين الجزائر والمغرب، بعد أن قررت السلطات العليا في الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يوم 24 أغسطس/آب 2021، إثر ما سمته الأعمال العدائية للمغرب ضد الجزائر.
وتتهم الجزائر جارتها الغربية بدعم حركة انفصالية تصنفها في خانة الإرهاب، جراء دعمها ما قالت إنه افتعال حرائق كبيرة صيف 2021، أدت إلى سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى، وبالتجسس على مسؤولين جزائريين بالتعاون مع إسرائيل.
والسبب في إعلان الجزائر القطيعة يعود ليوم الخميس 12 أغسطس/آب 2021، عندما أعرب وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد من المملكة المغربية، عن قلقه من التقارب بين الجزائر وطهران، التي تتهمها الرباط بدعم جبهة البوليساريو، القائمة على إقليم الصحراء الغربية، في حين تصنفها تل أبيب داعماً أساسياً لحماس وحركات المقاومة في فلسطين المحتلة.
وشدد المسؤول الإسرائيلي في مؤتمر صحفي عقده بمدينة الدار البيضاء، على وجود تشارك للقلق بين إسرائيل والمغرب بشأن دور الجزائر في المنطقة، لكونها باتت أكثر قرباً من إيران.
واعتبرت الجزائر تصريح المسؤول العبري ضدها، من بلد عربي، بحضور الوزير المغربي، سابقةً في تاريخ العلاقات العربية-الإسرائيلية؛ ما جعلها تعيد النظر في العلاقات الثنائية بين الجزائر والرباط، بتشديد الوضع الأمني في الحدود الغربية للبلاد.
الصحراء الغربية والصراع مع المغرب
القطيعة الحالية بين الجزائر والمغرب لا تعد الأولى، حيث سبق للمملكة المغربية أن قطعت علاقاتها مع الجزائر سنة 1976، بعد اعتراف الجزائر بقيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
وبعد 12 عاماً، وتحديداً في 1988، استؤنفت العلاقات بين البلدين، بعد وساطة سعودية أسهمت في عودة الهدوء بين البلدين المغاربيين.
ويُعد ملف الصحراء الغربية واحداً من أهم الملفات الخلافية بين الرباط والجزائر، لكون الجزائر ترى وجوب تنظيم تنظيم استفتاء حر ونزيه، يسمح "للشعب الصحراوي" بتقرير مصيره، في حين يؤكد المغرب أن الإقليم تابع له، عارضاً في الوقت نفسه مقترح الحكم الذاتي.