استئناف العلاقات التركية- المصرية يثير التساؤلات حول مصير الإخوان
ثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن استمرار التنسيق الدبلوماسي والاقتصادي مع مصر بلا مشكلات حالة من الجدل؛ لا سيما أنها تأتي بعد تصريحات مسؤولين أتراك عن تحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة، والرغبة التركية في توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر.
وبينما شددت مصر على عدم حدوث أي تغيير جوهري في العلاقات بين البلدَين، يُفتح باب التكهنات واسعاً أمام المصير الذي ينتظر قيادات جماعة الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا، وتطالب مصر بتسليمهم، فضلاً عن مصير قنواتهم الإعلامية التي دأبت على مهاجمة مصر في مختلف المناسبات.
مصدر رسمي مصري اكتفى بالحديث عن العلاقات الطيبة بين الشعبَين على مدار التاريخ، مع التأكيد أن الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدَين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول، والقائمة على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي.
شروط التقارب
"تركيا الآن في مرحلة مراجعة لسياساتها التي جعلتها تفقد الكثير من الحلفاء خلال فترة قصيرة”، حسب المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن الحكومة التركية أدركت خطأها بالاعتماد على الجماعات والتنظيمات على حساب العلاقات مع الدول؛ الأمر الذي كان له انعكاساته السلبية على ملف السياسة الخارجية.
يؤكد أوكتاي أن التقارب التركي مع مصر بات ضرورة ملحة وفيه فائدة للطرفَين؛ لأن هناك الكثير من المكاسب التي يمكن الاستفادة منها في هذه الحالة، خصوصاً أن العداء كان بسبب جماعات متطرفة؛ وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، "حيث أدركت الإدارة التركية أنها لم تكن موفقة حين اختارتها على حساب دولة بحجم مصر”.
من جهته، يعتبر النائب في البرلمان المصري مصطفى بكري، أن بلاده لا يمكن أن تدخل في المصالحة دون شروط معينة؛ أبرزها ما يتعلق بحماية الأمن القومي المصري الذي تقوم تركيا بالتحريض عليه، من خلال وسائل الإعلام التي تبث من أراضيها وتصدر تهديدات أمنية لمصر في الداخل، فضلاً عن الوضع في ليبيا؛ وهو أمر سبق لمصر أن أعلنته بشكل واضح، لكن السياسات التركية القاضية بإعادة مشروع الإمبراطورية العثمانية من جديد، والساعية لتطويق الوطن العربي، "أمر يهدد الأمن القومي؛ ليس لمصر فقط، ولكن للأمة العربية”، حسب بكري.
عزلة تركية
يربط الدكتور طارق فهمي؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط، توقيت الدعوة التركية إلى فتح مفاوضات جادة مع مصر، بنجاح سياسات القاهرة في إقصاء تركيا من إقليم شرق المتوسط؛ وهو ما برز إثر تحويل المنتدى لمنظمة إقليمية يتعاظم دورها مع مرور الوقت، مشيراً إلى أن مصر نجحت في فرض واقع استراتيجي مهم وخائف بالنسبة إلى تركيا.
ويعتبر فهمي أن ثمة مراوغة تركية تهدف إلى ضرب العلاقات المصرية مع قبرص واليونان؛ لأن اتفاقات ترسيم الحدود بين الأطراف الثلاثة ستكون مهددة، إذا ما حدث تفاهم مصري- تركي؛ خصوصاً مع اشتعال الخلافات بين تركيا والجانبَين اليوناني والقبرصي، في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية.
لكن المحلل السياسي التركي، جواد غوك، يستبعد أن تكون التصريحات التركية مجرد مناورة سياسية، مشيراً إلى أن بلاده بقيت وحيدة غريبة في المنطقة؛ بسبب السياسات المتبعة خلال السنوات الماضية، وهو ما انطبق على المحيط الإقليمي حتى في شرق المتوسط.
وتمنى غوك أن تقبل القاهرة المبادرة التركية الجديدة لإعادة العلاقات؛ خصوصاً أن كل المؤشرات من الجانب التركي تؤكد وجود رغبة جادة في استعادة العلاقات، والتي ستكون مهمة؛ ليس فقط للبلدين، ولكن أيضاً على مستوى العلاقات العربية- التركية.
مصير الإخوان
أما بالنسبة إلى نقطة الخلاف الأساسية بين الجانبَين والمتعلقة بإيواء أنقرة قيادات إخوانية مصرية، فيرى المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، أن صدق المراجعات التركية لملف الجماعة وإعادة النظر في سياساتها قد تشكل عاملاً مهماً في استعادة العلاقات مع مصر؛ خصوصاً أن الإدارة التركية باتت في خصومة مع عددٍ كبير من الدول دون داعٍ، "ما يعني أن ثمة خطأً كبيراً في السياسة الخارجية لأنقرة يحتاج بالفعل إلى مراجعات جذرية وتحركات حقيقية”.
يقول جواد غوك إن ما يتسرب من معلومات إعلامية عن الإخوان في تركيا ينحصر في ترحيلهم إلى بلدٍ ثالث، مشيراً إلى أن مناقشة هذا الأمر ستكون في مقدمة القضايا المطلوب مناقشتها في الاجتماع الاستخباراتي المقبل.
"الكرة الآن في ملعب تركيا”، حسب النائب مصطفى بكري، الذي يختم حديثه إلى "كيوبوست” بالقول: في حال استجابت أنقرة للشروط المصرية، وأوقفت دعمها للإرهاب وقررت تسليم المطلوبين، فسنكون أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدَين؛ لكن ليس لدى مصر ما يجعلها تثق في تركيا ومطامعها الاستعمارية، "لا سيما أن أردوغان يكذب كما يتنفس، وعليه إثبات حسن نيَّاته قبل المضي قدماً للمستقبل”، حسب بكري.